كتاب التفسير الوسيط - مجمع البحوث (اسم الجزء: 2)

سبب النزول:

روى عن مجاهد قال: تفاخر المسلمون اليهود، فقالت اليَهود: بيت المقدس أفضل وأعظم من الكعبة؛ لأنه مهاجر الأّنبياءِ، وفي الأرض المقدسة. وقال المسلمون: بل الكعبة أفضل.، فأَنزل الله هذه الآية.
المعنى: إِن أَول بيت أُقيم لعبادة الله وحده، هو البيت الحرام بمكة. فقد بناه إبراهيم عليه السلام - بأَمر الله، وعاونه في البناءِ ولده إسماعيل. وأَمره الله أن يؤَذِّن في الناس بالحج إليه. قال تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} (¬1).
أَخرج الشيخان، واللفظ لمسلم، عن أَبي ذر- رضي الله عنه - قال: "سأَلت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أَوّل بَيْتٍ وُضِعَ فِي الأرضِ؟ قال: المسجد الحرام.
قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأَقصى. قلت: كم بينهما؟
قال: أَربعون عاماً (¬2). ثم الأَرض لك مسجد. فحيثما أَدركتك الصلاة، فَصَلَّ".
وإذا كانت الكعبة أَول بيت وضع لعبادة الناس لربهم، فلا وجه لتفضيل بيت المقدس عليه , وإيثاره بأَن يكون هو القبلةَ دونها.
(مُبَارَكاً): بركة البيت بكثرة ثواب من يعبد الله فيه بصلاة وطواف وغيرهما من أَنوْاع الطاعات، وبتيسير الرزق لأَهله.
¬______________
(¬1) الحج: آية 27.
(¬2) قال ابن قيم الجوزية في "زاد المعاد" تعقيبا على هذا الحديث: قد أشكل هذا الحديث على من لم يعرف المراد به فقال: معلوم إن سليمان بن داود هو الذي بنى المسجد الأقصى، وبينه وبين إبراهيم أكثر من ألف عام. وهذا من جهل القائل؛ فإن سليمان كان له من المسجد الأقصى تجديده لا تأسيسه، والذى أسسه هو يعقوب بن إسحق بن إبراهيم عليهم السلام بعد بناء جده إبراهيم الكعبة، بهذا المقدار أي بأربعين عاما.

الصفحة 624