كتاب التفسير الوسيط - مجمع البحوث (اسم الجزء: 2)

آن - كانت أَشد، لمجاهدة العدو، ومواساة المسلمين. ولأن النهي عن الربا يستدعي بديلا عنه. ولذلك يقترن النهي عن الربا - في القرآن - بالحث على الصدقة.
وحذف، مفعول {يُنْفِقُونَ}: ليعم كل ما يصلح للإنفاق؛ أو لأَن المراد وصفهم بالإِنفاق , دون نظر إلى ما ينفقون. كما تقول: فلان يعطي ويمنع. لا تقصد إلاَّ وصفه بالإِعطاءِ والمنع.
{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ}:
صفة ثانية. وكظم الغيظ: حبسه وكتمه مع القدرة على إمضائه. والغيظ: هيجان الطبع عند رؤية ما ينكر. والفرق بينه وبين الغضب - على ما قيل - أن الغضب يتبعه إرادة الانتقام ألبتة , ولا كذلك الغيظ. والغيظ أصل الغضب. وكثيراً ما يتلازمان.
وكظم الغيظ من أجمل الأخلاق وأَنبلها وأحبها إلى الله.
وفي الحديث الشريف: "من كظم غيضًا وهو قادر على أَن ينفذه، ملأ اللهُ جوفَه أَمناً وإِيمانًا" (¬1).
وعبر في الصفة الأولى بالفعل المضارع {يُنْفِقُونَ}: قصدًا لإرادة أَن يجددوا الإنفاق من آن لآخر.
وعبر بالكاظمين وهو اسم فاعل: لقصد الثبات والاستمرار على ضبط النفس.
{وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}:
هذه صفة ثالثة , جاءَت على اسم الفاعل؛ للدلالة على الثبوت والدوام أيضًا.
والعفو: ترك عقوبة من يستحق العقوبة من الناس؛ لذنب جناه. وهو أكمل من كظم الغيظ. لأَن الغيظ؛ مجرد ضبط للنفس، ولا يلزمه الاِغضاءُ عن الاساءَة.
أما العفو؛ فيقتضي تناسي الإساءة واعتبارها كأن لم تكن.
وفي الحديث الصحيح: ". . . وما زادَ اللهُ عبداً بِعَفْوٍ إلاَّ عِزًّا" (¬2).
¬__________
(¬1) أخرجه أبو داود وغيره.
(¬2) رواه مسلم.

الصفحة 658