كتاب كتابة الحديث بين النهي والإذن

وإذا ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم استفاد من هؤلاء الكتاب - رضي الله عنهم- فاستعماله لهم لا يخرج عن الوحيين الكتاب والسنّة.
فأما الأول فلا جدال في استعماله للكتبة في كتابة ما يوحى إليه من القرآن حيث كان يأمرهم بالكتابة عنه متى ما تنزل عليه الوحي، وهذا معلوم ضرورة لا يحتاج إلى شواهد وبيان.
وأما السنة وهي وحي من الله كما قال الله جل ذكره: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3، 4] فكل ما صدر منه عليه الصلاة والسلام من أقوال وأفعال وتقريرات وأحوال داخل في السنة وقد استعمل الكتابة في أمور كثيرة، مما يدل على مشروعية كتابة السنة وأنه قد كتب منها شيء كثير، وإن اتخذ البعض منها صور المراسلات والمعاهدات والوصايا أو بيان أحكام، فلا تخرج كلها عن السنة المطهرة، وقد ثبت أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يكتبون حديثه بنظره وإقراره كما قال عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما "بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سئل أي المدينتين تفتح أولاً.... الحديث" (1) .
__________
(1) أخرجه أحمد 2/167 عن يحيى بن إسحاق، وأبو زرعة الدمشقي في تاريخه رقم (1514) عن سعيد بن عفير، والطبراني في الكبير 13/68 عن سعيد بن أبي مريم، والحاكم 4/555 عن ابن وهب أربعتهم عن يحيى بن أيوب عن أبي قبيل المعافري عن عبد الله رضي الله عنهم. قال الحاكم: صحيح، وقال الذهبي في السير 3/87: حسن غريب، وهو كما قال يحيى بن أيوب هو الغافقي المصري مختلف فيه، وتكلم فيه من جهة حفظه، ويوجز ابن عدي حاله فيقول في الكامل 7/2673 ولا أرى في حديثه إذا روى عنه ثقة أو هو يروى عن ثقة حديثاً منكراً فأذكره، وهو عندي صدوق لا بأس به. وأما أبو قبيل فهو حيي ابن هانيء أطلق القول بتوثيقه أحمد وابن معين والعجلي وأبو زرعة وأحمد بن صالح، وروى الساجي منقطعاً عن يحيى بن معين أنه قال ضعيف، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان يخطئ، وتوثيق ابن معين الأول مقدم لصحة نسبته إليه ولموافقته الجماعة، وأما ابن حبان فمشهور بالشدة في الجرح كما هو معلوم من حاله رحمه الله، وانظر ترجمة أبي قبيل في تهذيب الكمال7/490، فالحديث لا ينحط عن درجة الحسن والله أعلم.

الصفحة 18