كتاب كتابة الحديث بين النهي والإذن

وعلى هذا يحمل نهي عمر وابن مسعود رضي الله عنهما وغيرهما إذ قد جاء هذا التعليل أو معناه من كلامهم ـ كما سيأتي إن شاء الله ـ ثم أثر عن أكثرهم التدوين والحث على الكتابة.
القول السادس: أن الإذن مخصوص بعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما؛ لأنه كان قارئاً للكتب المتقدمة، ويكتب بالسريانية والعربية، وكان غيره من الصحابة أميين لا يكتب منهم إلا الواحد والاثنان وإذا كتب لم يتقن ولم يصب التهجي فلما خشي عليهم الغلط فيما يكتبون نهاهم، ولما أمن ذلك على عبد الله أذن له، قاله ابن قتيبة (1) في توجيه آخر للحديث.
وهذا القول فيه ضعف لأنه يصدق لو لم يكتب الحديث من الصحابة أحد سوى عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، كيف وقد ذكر أن الصحابة كانوا يكتبون بين يديه كما تقدم، وكذلك الأحاديث المتكاثرة التي تبين كتابة الصحابة للحديث.
القول السابع: أن النهي منصبٌّ على التدوين الرسمي كما كان يدون القرآن الكريم، وأما الإذن فهو سماح بتدوين نصوص من السنة لظروف وملابسات خاصة، إذ إن النهي جاء عاماً مخاطباً فيه الصحابة جميعاً، والإذن لظروف خاصة أو لأشخاص معينين دليل على أن الكتابة مسموح بها إذا لم يكن تدويناً عاماً كالقرآن، قاله د. مصطفى السباعي رحمه الله (2) .
__________
(1) تأويل مختلف الحديث /287.
(2) السنة ومكانتها في التشريع /61.

الصفحة 60