كتاب كتابة الحديث بين النهي والإذن

وهذا القول مثل سابقه، إذ ما ورد في عبد الله بن عمرو السابق وتصريح النبي صلى الله عليه وسلم له بالكتابة، وأن الصحابة كانوا يكتبون بين يديه الحديث، ينفي هذا القول.
هذا مجمل فهم الأئمة رحمهم الله للأحاديث الواردة في النهي والإذن بالكتابة، ومن تأمل الأقوال السابقة جميعها فإنه لم يختلف أن كتابة الحديث وتدوينه جائزة، وكأن هذا هو الأصل الذي مضى عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحظة وفاته، حيث همَّ أن يكتب لأمته كتاباً لا يختلفون عليه من بعده، كما ثبت هذا عنه صلى الله عليه وسلم إذ قال في مرض موته "ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً" (1) .
ودل على هذا الإجماع ونقله ابن الصلاح (2) والذهبي (3) ، وهذا الإجماع إنما هو بعد اختلاف الصحابة رضي الله عنهم، واختلافهم ليس في أصل الحكم وإنما هو لعلل أخرى أبانوها، بدليل أنهم عزموا على الكتابة وكتبوها وأمروا بكتابتها.
ودل على هذا القياس كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا
__________
(1) أخرجه البخاري في الجهاد باب جوائز الوفد رقم (3053) عن قبيصة، وفي الجزية والموادعة باب إخراج اليهود من جزيرة العرب (3167) عن محمد بن سلام وفي المغازي باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته (4431) عن قتيبة ومسلم في الوصية باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه (4232) عن سعيد بن منصور وقتيبة وأبي بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد، ستتهم عن ابن عيينة عن سليمان الأحول عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس به وله طرق عدة عن ابن عباس وفي الباب عن عائشة وجابر رضي الله عنهم.
(2) علوم الحديث /171.
(3) سير أعلام النبلاء 3/8.

الصفحة 61