كتاب كتابة الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بين النهي والإذن

ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [الجمعة:2] .
ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: "إنَّا أمّةٌ أميةٌ، لا نكتب ولا نحسب" (1) .
من خلال هذه النصوص يتبين لنا بوضوح لا مرية فيه أن القرآن الكريم يصف النبي صلى الله عليه وسلم ب "الأمي"، ويصف أمته التي بعث فيها، وهم العرب ب "الأميين" (2) ، فيمتنّ عليهم بذلك. أي: أنهم مع كونهم أميين قد بعث الله منهم رجلاً أمياً - مثلهم لا يقرأ ولا يكتب - بشرعٍ عظيمٍ كاملٍ شاملٍ لجميع الخلق، فيه تزكيتهم وتهذيب نفوسهم، وهدايتهم، والبيان لكل ما يحتاجون إليه من أمر معاشهم ومعادهم. وهذا من أقوى براهين حجته وصدق نبوته صلوات الله وسلامه عليه (3) .
فلما بُعث النبي صلى الله عليه وسلم بالإسلام – دين العلم والتعلم – اهتمَّ صلى الله عليه وسلم بتعليم المسلمين الكتابة، فأذن لأسرى بدر من أهل مكة أن يفدوا أنفسهم بتعليم
__________
(1) أخرجه البخاري في الصوم باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا نكتب ولا نحسب " 149: ح 1913، ومسلم في الصيام باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال 850: ح 1080.
(2) أقول: هذا لا يعني عدم وجود من يعرف الكتابة من العرب في الجاهلية على الإطلاق، وإنما المقصود به الغالب والصفة العامة لهم، فإن وُجد من يكتب منهم فإنما هم قلة، والظاهر أنهم في مكة أكثر عدداً منهم في المدينة؛ لأن مكة بلدٌ تجاري يفد الناس إليه، فاحتيج إلى أن يكون فيهم من يعرف الكتابة والقراءة، يشهد لذلك أنه صلى الله عليه وسلم أذن لأسرى بدر المكيين أن يفدي كلُّ كاتبٍ منهم نفسه بتعليم عشرة من صبيان المدينة القراءة والكتابة. انظر: " طبقات ابن سعد " 2: 22.
(3) انظر: "تفسير ابن كثير" 4: 385.

الصفحة 2