كتاب كتابة الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بين النهي والإذن

عشرة من صبيان الأنصار القراءة والكتابة (1) ، وكان بعض المسلمين يتعلمون القراءة والكتابة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث تطوّع بعض المعلمين بتعليمهم مثل: عبد الله بن سعيد بن العاص، وسعد بن الربيع الخزرجي، وبشير بن سعد بن ثعلبة، وأبان بن سعيد بن العاص (2) ، فكثر عدد الكاتبين حتى زاد عدد كتاب الوحي على أربعين كاتباً (3) ، ومع وجود عددٍ من الكتّاب في عهده صلى الله عليه وسلم، وأمره لبعضهم بكتابة القرآن الكريم، نجده لم يأمر أحداً بكتابة الحديث النبوي كما أمر بكتابة القرآن، بل نهى عن ذلك وأمر بمحو ما كُتب منه (4) ، ولعله أراد بذلك ألا يتكلوا على الكتاب، وأن يداوموا على ملكة الحفظ التي كان العرب يمتازون بها، ويعتمدون عليها في ضبط تواريخهم وأيامهم، ولاسيما أن الحديث تجوز روايته بالمعنى، بخلاف القرآن الذي هو معجزٌ بلفظه ومعناه، ومن ثمّ لا تجوز روايته بالمعنى، وللتخلص – أيضاً – من احتمال انشغال بعضهم به عن القرآن، أو حدوث التباس عند عامة المسلمين، فيخلطون القرآن بالحديث باختلاط صحف بعضهما مع بعض، وبخاصة في أول الإسلام قبل معرفة ألفاظ القرآن وتميز أسلوبه (5) ، لذلك اقتضت الحكمة
__________
(1) انظر التعليقة رقم 1.
(2) انظر: "طبقات ابن سعد" 3: 531، "الاستيعاب" لابن عبد البر 1: 64، "بحوث في تاريخ السنة" د. أكرم العمري: 287، "السنة قبل التدوين": 299.
(3) انظر: "عيون الأثر" لابن سيد الناس 1: 315، "تهذيب الكمال" للمزي 1: 196، "زاد المعاد" لابن القيم 1: 117، "المصباح المضيء في كتّاب النبي الأمّيّ" لابن حديدة 1: 28.
(4) انظر: المبحث الرابع في سياق أحاديث النهي عن الكتابة.
(5) انظر: ص 47، 48، 52.

الصفحة 3