كتاب كتابة الحديث النبوي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بين النهي والإذن
المبحث الأول: منهج التعليل
وهو القول بأن أحاديث النهي عن الكتابة كانت لعلة، ومن المعلوم أن الأحكام تدور مع العلل وجوداً وعدماً، فمتى وجدت العلة وجد الحكم، ومتى انعدمت العلة انعدم الحكم.
والذي يدقق النظر في أحاديث النهي يجدها أشارت إلى التعليل، كما في رواية أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نكتب الأحاديث فقال "ما هذا الذي تكتبون؟ " قلنا: أحاديث سمعناها منك، قال: "أكتابَ غير الله تريدون؟ ما أضل الأمم من قبلكم إلا أنهم اكتتبوا من الكتب مع كتاب الله". قال أبو هريرة: فقلت: أنتحدث عنك يا رسول الله؟ قال: "نعم، تحدَّثوا ولا حرج، فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" (1) .
واستنبط العلماء عللا أخرى عبروا عنها في كتبهم بما يلي:
قال الخطابي: ".. وقد قيل: إنه إنما نهى أن يكتب الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة لئلا يختلط به ويشتبه على القارئ" (2) .
وقال ابن القيم: " وهذا كان في أول الإسلام خشية أن يختلط الوحي الذي يتلى بالوحي الذي لا يتلى " (3) .
وذكر الصنعاني: أن النهي عن الكتابة إنما كان في أول الأمر " بسبب أنه لم يكن قد اشتد إلف الناس بالقرآن ولم يذكر حفاظه والمتقنون له، فلما ألفه
__________
(1) تقييد العلم 33.
(2) معالم السنن مطبوع مع مختصر سنن أبي داود للمنذري 5/246.
(3) زاد المعاد 3/457.
الصفحة 29
58