كتاب سنن سعيد بن منصور - بداية التفسير 1 - 5 ت الحميد (اسم الجزء: 4)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------
= يستطيع فلان أن يأتي؟ وقد علمت أنه يستطيع، فالمعنى: هل يفعل ذلك؟ وهل يجيبني إلى ذلك أم لا؟ وقد كانوا عالمين باستطاعة الله تعالى لذلك ولغيره علم دلالة وخبر ونظر، فأرادوا علم معاينة كذلك كما قال إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -: {رب أرني كيف تحيي الموتى} ، وقد كان إبراهيم عَلِمَ ذلك علم خبر ونظر، ولكن أراد المعاينة لا يدخلها ريب ولا شبهة، لأن علم الخبر والنظر قد تدخله الشبهة والاعتراضات، وعلم المعاينة لا يدخله شيء من ذلك، ولذلك قال الحواريون: {وتطمئن قلوبنا} كما قال إبراهيم: {ولكن ليطمئن قلبي} .
ذكر هذا القول القرطبي واستحسنه واستحسن القول الآتي أكثر من هذا، وهو قول من قال: إن ذلك كان من قول مَنْ كان مع الحواريين؛ لأن الحواريين كانوا خيرة من آمن بعيسى، فكيف يظن بهم الجهل باقتدار الله تعالى على كل شيء ممكن؟ وأحسن من هذا كله ما اختاره ابن جرير الطبري، وهو: أن قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ} من صلة: {إذ أوحيت} ، فيكون معنى الكلام: وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ؟ لأن من الواضح البَيِّن أن الله سبحانه كره منهم ما قالوه، واستعظمه، وأمرهم بالتوبة ومراجعة الإيمان من قولهم ذلك، والإقرار لله بالقدرة على كل شيء، وتصديق رسوله فيما أخبرهم عن ربهم، وقد استعظم منهم عيسى ذلك، فقال: {واتقوا الله إن كنتم مؤمنين} ، فاستتابة الله تعالى لهم، ودعوته لهم إلى الإيمان به وبرسوله عند قيلهم ما قالوا، واستعظام نبي الله لقولهم، فيه دلالة كافية على صحة القراءة بالياء ورفع ((الرب)) .
ولو كانوا قالوا له: هل تستطيع أن تسأل رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً من السماء؟ لما كان لاستنكار عيسى لقولهم معنى، واستعظامه لذلك منهم، ويدّل عليه: أنهم قالوا بعد ذلك: {نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا} ، فدلّ هذا على أنهم لم يكونوا يعلمون أن عيسى قد صدقهم، ولا اطمأنّت قلوبهم إلى حقيقة نبوّته، فلا بيان أبيْنَ من هذا الكلام في أن القوم كانوا قد خالط =

الصفحة 1678