كتاب سنن سعيد بن منصور - بداية التفسير 1 - 5 ت الحميد (اسم الجزء: 2)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------
= من أن تنزف عنه عقول الرجال، ولكنه كما قال الله تعالى: {تقشعرّ منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله} ، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سئل عن القوم يُقرأ عليهم القرآن فيصعقون، فقال: ذلك فعل الخوارج. وخرّج أبو نعيم (عن عامر بن عبد الله بن الزبير) قال: جئت أبي، فقال: أين كنت؟ فقلت: وجدت أقواماً يذكرون الله فيرعد أحدهم حتى يغشى عليه من خشية الله فقعدت معهم، فقال: ((لا تقعد بعدها)) . فرآني كأنه لم يأخذ ذلك فيّ فقال: ((رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم - يتلو القرآن. ورأيت أبا بكر وعمر يتلوان القرآن، فلا يصيبهم هذا، أفتراهم أخشع لله من أبي بكر وعمر)) ، فرأيت ذلك كذلك فتركتهم، وهذا بأن ذلك كله تعمُّل وتكلُّف لا يرضى به أهل الدين. وسئل محمد بن سيرين، عن الرجل يُقرأ عنده فيصعق، فقال: ميعاد ما بيننا وبينه أن يجلس على حائط ثم يُقرأ عليه القرآن من أوله إلى آخره، فإن وقع فهو كما قال....، وقد صحّ من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه، قال: وعظنا رسول صلى الله عليه وسلم موعظةً بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب....، الحديث. فقال الإمام الآجري العالم السنّي أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ميِّزوا هذا الكلام؛ فإنه لم يقل: صرخنا من موعظته، ولا طرقنا على رؤوسنا، ولا ضربنا على صدورنا، ولا زفنّا ولا رقصنا -، كما يفعل كثير من الجهال، يصرخون عند المواعظ ويزعقون، ويتناشون - قال: وهذا كله من الشيطان يلعب بهم، وهذا كله بدعة وضلالة، ويقال لمن فعل هذا: اعلم أنَّ النَّبِيَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أصدق الناس موعظةً، وأنصح الناس لأمته، وأرقّ الناس قلبًا، وخير الناس من جاء بعده، لا يشك في ذلك عاقل، ما صرخوا عند موعظته ولا زعقوا ولا رقصوا ولا زفنوا، ولو كان هذا صحيحاً لكانوا أحق الناس به أن يفعلوه بين يدي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، ولكنه بدعة وباطل ومنكر فاعلم ذلك)) ] . اهـ.، والعبارة التي بين القوسين فيما نقل الشاطبي عن أبي نعيم صوَّبتُها من "الحلية" (٣ / ١٦٧) .

الصفحة 333