كتاب سنن سعيد بن منصور - بداية التفسير 1 - 5 ت الحميد (اسم الجزء: المقدمة)

عائداً من الحج، فتعجل حتى أتى العراق، فأُخذت له البيعة من أهل العراق وخراسان وسائر البلاد، سوى الشام، فإنه خرج بها عمُّه عبد الله بن علي مدَّعياً أن السَّفَّاح كان عهد إليه بالخلافة، فأرسل إليه أبو جعفر أبا مسلم الخراساني الذي استطاع أن يوقع به الهزيمة بعد حروب يطول ذكرها، كان من نتيجتها أن هرب عبد الله بن علي إلى أخيه سليمان بن علي في البصرة، فاختفى عنده، فعلم به المنصور، فأخذه، ويقال إنه سجنه في بيت بَنَى أساسه على الملح، ثم أطلق عليه الماء، فذاب الملح، وسقط البيت على عبد الله بن علي، فمات.
ثم أحس أبو جعفر بعد ذلك باستفحال أمر أبي مسلم واستخفافه به واحتقاره له، فأوجس منه خيفة، فسعى في إهلاكه، فما زال به يستدرجه ويَعِدُهُ ويُمَنِّيه، إلى أن أقدمه عليه، فلما تمكَّن منه، أخذ يعاتبه على ما بدر منه، وأبو مسلم يعتذر، وكان أبو جعفر أمر بعض حرسه وقال لهم: كونوا من وراء الرُّواق، فإذا صَفَّقت بيدي، فاخرجوا عليه فاقتلوه، فخرجوا عليه فقتلوه، فيقال: إن المنصور أنشد عند ذلك:
فَأَلْقَتْ عَصَاها واسْتَقَرَّ بها النَّوَى ... كما قَرَّ عَيْناً بالإِيَابِ المسافِرُ
وشهد عصر المنصور بعد ذلك فتناً وقلاقل كثيرة، من أهمِّها:
خروج محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب وأخيه إبراهيم بن عبد الله في المدينة والبصرة، وبعد معارك ضارية استطاع المنصور إخماد هذه الفتنة بعد مقتل محمد وأخيه إبراهيم.
وبدأت الأمور تستقرّ للمنصور، فشرع في تطوير مملكته، فبنى مدينة بغداد (¬١)، وجعلها دار مملكته، وبنى مدناً أخرى، وهدأت الفتن والحروب، وتوجه للإصلاح الداخلي، ويعتبر أبو جعفر بحق الخليفة
_________
(¬١) انظر تفاصيل بنائها في البداية والنهاية (١٠/ ٩٦ - ١٠٣).

الصفحة 20