كتاب سنن سعيد بن منصور - بداية التفسير 1 - 5 ت الحميد (اسم الجزء: المقدمة)

ملكتهم (رَنَى) الملقَّبة: (أغسطة)، إلى أن قام الروم بعزل هذه الملكة، ونقض الصلح الذي كان بينهم وبين المسلمين، وملّكوا عليهم رجلاً يقال له (نقفور) وكان شجاعاً، وخلعوا (رنى)، وسملوا عينيها، وكتب (نقفور) إلى الرشيد كتاباً يذكر فيه ضعف الملكة التي كانت قبله ويقول: (حملت إليك من أموالها ما كنت حقيقاً بحمل أمثاله إليها، وذلك من ضعف النساء وحمقهن، فإذا قرأت كتابي هذا فاردد إليّ ما حملته إليك من الأموال، وافتد نفسك به، وإلا فالسيف بيننا وبينك). فلما قرأ هارون كتابه، أخذه الغضب الشديد، حتى لم يتمكن أحد أن ينظر إليه، ولا يستطيع مخاطبته، وأشفق عليه جلساؤه خوفاً منه، ثم استدعى بدواة وكتب على ظهر الكتاب: (بسم الله الرحمن الرحيم. من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة، والجواب ما تراه دون ما تسمعه، والسلام).
ثم شخص من فوره وسار حتى نزل بباب هَرَقْلَةَ (¬١)، ففتحها، واصطفى ابنة ملكها، وغنم من الأموال شيئاً كثيراً، وخرَّب وأحرق، فطلب منه (نقفور) الموادعة على خراج يؤديه إليه في كل سنة، فأجابه الرشيد إلى ذلك (¬٢). وبعد أن استمرّ في الخلافة مدة ثلاث وعشرين سنة أدركته الوفاة رحمه الله في سنة ثلاث وتسعين ومائة بعد أن عهد
_________
(¬١) قال ياقوت في معجم البلدان (٥/ ٣٩٨): (هِرَقْلَةُ: بالكسر ثم الفتح: مدينة ببلاد الروم، سُمِّيَتْ بهرقْلة بنت الروم بن اليفز بن سام بن نوح عليه السلام، وكان الرشيد غزاها بنفسه، ثم افتتحها عنوة بعد حصار وحرب شديد ورمي بالنار والنفط حتى غلب أهلها، فلذلك قال المكّي الشاعر:
هَوَتْ هِرَقْلَةُ لمّا أنْ رَأتْ عَجَباً ... جَوَّ السَّماءِ تَرْتَمي بالنَّفْطِ والنّارِ
كأنّ نيرانَنا في جَنْبِ قَلْعَتِهم ... مُصَبَّغات على أرْسَانِ قَصَّارِ) اهـ
(¬٢) البداية والنهاية (١٠/ ١٩٣ - ١٩٤، ١٩٩، ٢٠٣).

الصفحة 28