كتاب سنن سعيد بن منصور - بداية التفسير 1 - 5 ت الحميد (اسم الجزء: المقدمة)

المأمون يطلب منه أن يقدِّم موسى على نفسه، فردّ المأمون ذلك وأباه، ووقعت الوحشة بينهما، فخلع الأمين أخاه المأمون من ولاية العهد، فلما تيقن المأمون ذلك، تسمَّى بإمام المؤمنين وكان في خراسان، فأرسل إليه الأمين جيشاً لقتاله، وأرسل المأمون جيشاً، فالتقيا، وتقاتلا، وكانت الغلبة لجيش المأمون، واستمرّ القتال بينهما في حروب يطول ذكرها، انتهت بقتل الأمين في أول سنة ثمان وتسعين ومائة، وتولِّي المأمون الخلافة بعده (¬١).
وكان المأمون من أفضل رجال بني العباس حزماً وعزماً وحلماً وعلماً ورأياً ودهاء وهيبة وشجاعة وسؤدداً وسماحة، وله محاسن وسيرة طويلة، لولا ما أتاه من محنة الناس في القول بخلق القرآن، ومع ذلك كان معروفاً بالتشيع (¬٢)، وقد حمله ذلك على خلع أخيه المؤتمن في سنة إحدى ومائتين، وجعل ولي العهد من بعده علياً الرِّضا بن موسى الكَاظِم بن جعفر الصادق، حمله على ذلك إفراطه في التشيع، حتى قيل: إنه همّ أن يخلع نفسه ويفوِّض الأمر إليه، وهو الذي لقَّبه الرِّضا، وضرب الدراهم باسمه، وزوَّجه ابنته، وكتب إلى الآفاق بذلك، وأمر بترك لبس السواد شعار بني العباس ولبس الخضرة بدلاً منه، فاشتدّ ذلك على بني العباس جداً، وخرجوا عليه، وبايعوا إبراهيم
_________
(¬١) انظر البداية والنهاية (١٠/ ٢٢٢ - ٢٢٧، ٢٣٦ - ٢٤٤)، وتاريخ الخلفاء (ص ٤٧٤ - ٤٨٩).
(¬٢) يقول عنه الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (١٠/ ٢٧٥): (وقد كان فيه تشيع واعتزال وجهل بالسنة الصحيحة ... ، وكان على مذهب الاعتزال لأنه اجتمع بجماعة منهم: بشر بن غياث المِرِّيسي، فخدعوه، وأخذ عنهم هذا المذهب الباطل، وكان يحب العلم، ولم يكن له بصيرة نافذة فيه، فدخل عليه بسبب ذلك الداخل، وراج عنده الباطل، ودعا إليه، وحمل الناس عليه قهراً، وذلك في آخر أيامه وانقضاء دولته). اهـ.

الصفحة 31