كتاب سنن سعيد بن منصور - بداية التفسير 1 - 5 ت الحميد (اسم الجزء: المقدمة)

يفتتن، فكفّ عن ذلك حتى سنة ثمان عشرة ومائتين حيث امتحن الناس بالقول بخلق القرآن (¬١)، ولم يتمّ له ما أراد لوفاته في نفس العام، ثم تولى زمام الفتنة من بعده أخوه المعتصم كما سيأتي.
وما يدلّ على تميز المأمون بالحزم والدَّهاء والشجاعة وباقي الصفات المتقدم ذكرها: أن عصره شهد فتناً عظيمة وانصداعاً في رعيته، استطاع بدهائه وحزمه ورأيه أن يخمد الفتن ويسوس الناس، لولا خوضه فيما خاض فيه من أمور المعتقد (¬٢)، حتى إن هناك من يتهمه فيما أظهره من التشيع وحب آل البيت الذي أدّى به إلى أخذ البيعة لعلي الرِّضا بولاية العهد من بعده وتزويجه ابنته، ويرى أنه غير صادق في ذلك، وأنه إنما فعله سياسة لاكتساب ولاء الخراسانيين
_________
= وعائش الأُمّ لست أشْتُمها ... من يفتريها فنحن منه بَرَا
ثم قال ابن كثير بعد ذلك: (وهذا المذهب ثاني مراتب الشيعة، وفيه تفضيل علي على الصحابة، وقد قال جماعة من السلف والدارقطني: من فضّل علياً على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار- يعني في اجتهادهم ثلاثة أيام، ثم اتفقوا على عثمان، وتقديمه على علي بعد مقتل عمر-، وبعد ذلك ست عشرة مرتبة في التشيع على ما ذكره صاحب كتاب البلاغ الأكبر والناموس الأعظم، وهو كتاب ينتهي به إلى أكفر الكفر) اهـ.
(¬١) تاريخ الخلفاء (ص ٤٩٢، ٤٩٣).
(¬٢) ولما ذكر ابن كثير في البداية والنهاية (١٠/ ٢٧٧) قصة النَّضْر ين شُميل- السابق ذكرها- مع المأمون التي تدل على تشيعه قال- أي ابن كثير-: (وقد أضاف المأمون إلى بدعته هذه التي أزرى بها على المهاجرين والأنصار البدعة الأخرى والطّامّة الكبرى، وهي القول بخلق القرآن، مع ما فيه من الانهماك على تعاطي المسكر وغير ذلك من الأفعال التي تعدد فيها المنكر، ولكن كان فيه شهامة عظيمة وقوّة جسيمة في القتال وحصار الأعداء ومصابرة الروم وحصرهم، وقتل رجالهم وسبي نسائهم، وكان يقول: لعمر بن عبد العزيز وعبد الملك حُجَّاب، وأنا بنفسي، وكان يتحرَّى العدل ويتولّى بنفسه الحكم بين الناس والفصل). اهـ.

الصفحة 33