كتاب أنيس الساري (تخريج أحاديث فتح الباري) (اسم الجزء: 5)

وأما حديث الزهري وغيره فله عنه طريقان:
الأول: يرويه موسى بن عقبة عن الزهري قال: فذكر الحديث وفيه: ثم إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُري ليلة الجمعة رؤيا، فأصبح فجاءه نفر من أصحابه فقال "رأيت البارحة في منامي بقراً والله خير، ورأيت سيفي ذا الفقار انفصم من عند ظبته -أو قال- به فلول فكرهته وهما مضببتان، ورأيت أني في درع حصينة وأني مردف كبشاً" فلما أخبرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برؤياه قالوا: يا رسول الله، ماذا أوّلت رؤياك؟ قال "أوّلت البقر الذي رأيت نفرا فينا وفي القوم، وكرهت ما رأيت بسيفي" وقال "أوّلت الكبش أنّه كبش كتيبة العدو فقتله، وأولت الدرع الحصينة: المدينة، فامكثوا واجعلوا الذراري في الآطام، فإنْ دُخل علينا في الأزقة قاتلناهم ورُمُوا من فوق البيوت" فذكر الحديث وفيه "ما ينبغي لنبي إذا أخذ لأمة الحرب وآذن بالخروج إلى العدو أنْ يرجع حتى يقاتل"
أخرجه البيهقي في "الدلائل" (3/ 206 - 208) من طريقين عن موسى بن عقبة به.
الثاني: يرويه ابن إسحاق في "المغازي" (ص 322 - 326) قال: حدثني الزهري ومحمد بن يحيى بن حبان وعاصم بن عمر بن قتادة والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ وغيرهم من علمائنا كل قد حدثني بعض الحديث عن يوم أحد، فاجتمع حديثهم كله فيما سقت من هذا الحديث عن يوم أحد قال: فذكر الحديث وفيه: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمسلمين "إني قد رأيت نفراً (¬1)، ورأيت في ذباب سيفي ثلما، ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة فتأولتها المدينة، فإنْ رأيتم أنْ تقيموا وتدعوهم حيث قد نزلوا، فإنْ أقاموا أقاموا بشرِّ مقام، وإنْ دخلوا علينا قاتلناهم فيها"
وكان رأي عبد الله بن أبي بن سلول مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرى رأيه في ذلك ألا يخرج إليهم، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكره الخروج من المدينة، فقال رجال من المسلمين ممن أكرمهم الله بالشهادة يوم أحد، وغيرهم ممن كان فاتته بدر وحضروه: يا رسول الله، أخرج بنا إلى أعدائنا لا يرون أنا جبنا عنهم أو ضعفنا، قال عبد الله بن أبي بن سلول: يا رسول الله، أقم بالمدينة فإنْ أقاموا أقاموا بشرِّ مجلس، وإن رجعوا رجعوا خائبين كما جاءوا، وإنْ دخلوها قاتلهم الرجال في وجوههم، ورماهم الصبيان والنساء بالحجارة من فوقهم فلم يزل الناس برسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين كان من أمرهم حب لقاء الله، حتى دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيته فلبس لأمته، ثم خرج وقد ندم الناس وقالوا:
¬__________
(¬1) وفي تاريخ الطبري ودلائل البيهقي "بقرا"

الصفحة 3188