كتاب مصنف عبد الرزاق - ط التأصيل الثانية (اسم الجزء: 1)

وحسبنا أن هذه الحكاية لم تثبت عنه - كما في كلام الذهبي - بل غاية ما هنالك أن يكون عند الإمام عبد الرزاق تشيع يسير، ما كان يجسر أن يحدث به كل أحد.
وأنت - أيها القارئ الكريم - إذا نظرت في هذه الهفوة - إن صحت عنه - ثم وزنتها بحسنات الإمام عبد الرزاق ومكانته في رواية الحديث النبوي والآثار، طاشت كفتها وانمحى أثرها؛ فإن "الماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث". ولله در شيخ المنصفين الذهبي إذ يقول: "ولو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفورا له، قمنا عليه، وبدعناه، وهجرناه، لما سلم معنا لا ابن نصر، ولا ابن منده، ولا من هو أكبر منهما، والله هو هادي الخلق إلى الحق، وهو أرحم الراحمين" (¬١).

مذهب الإمام عبد الرزاق الفقهى:
بدأت المذاهب الفقهية تتكون منذ العقود الأولى من القرن الثاني الهجري، واستمرت في التطور والتمايز حتى اكتملت أواخر القرن الثالث الهجري، أما المحدثون قبل تميز المذاهب الفقهية، فقد كان ذوو الفقه منهم يذهبون مذهب الحجازيين أو الكوفيين.
ولما تعرض الجعدي لحال الفقه والفقهاء في اليمن، ذكر الإمام عبد الرزاق في الطبقة الثانية من تابعي التابعين وفقهاء اليمن (¬٢)، ثم ذكر طبقة أخرى في المائة الثالثة، وقال في أواخر حديثه عن هذه الطبقة: "كان الغالب في اليمن مذهب مالك وأبي حنيفة" (¬٣)، ثم ذكر بعض الفتن التي لحقت اليمن في آخر المائة الثالثة وأكثر المائة الرابعة، ومنها دعوة يحيى بن الحسين بن القاسم الناس إلى التشيع، ومما قاله: "وكان أهل اليمن صنفين: إما مفتون بهم، وإما خائف متمسك بنوع من الشريعة؛ إما حنفي - وهو الغالب - وإما مالكي" (¬٤)؛ فوضح من كلامه أن كلا المذهبين قد دخل اليمن، وإن كان مذهب الحنفية أكثر انتشارًا في اليمن في هذه الحقبة.
_________
(¬١) "سير أعلام النبلاء" (١٤/ ٤٠).
(¬٢) ينظر: "طبقات فقهاء اليمن" (ص ٦٨،٦٧).
(¬٣) "طبقات فقهاء اليمن" (ص ٧٤).
(¬٤) "طبقات فقهاء اليمن" (ص ٧٩).

الصفحة 45