كتاب طه حسين حياته وأدبه في ميزان الإسلام

تذوب وتضمحل، وآمنوا بالإسلام وتشربوا في معاملاتهم ولغتهم وسلوكهم ولم تكن لهم ثقافة خاصة منفصلة عن الثقافة الإسلامية الأصلية.
ورغم أن هذه الفكرة الساقطة - فكرة الانسحاب من العقيدة القوية المسيطرة، إلى أوهام القرون البدائية المنقرضة - لم يتقبلها المصريون أنفسهم، ولم يكن لها من بينهم دعاة يعتد بهم، فإنه من الواضح أن كثيرا من المستشرقين يحتضنونها في حدب شديد، ويعتبرونها ركيزة أساسية في محاولاتهم المستمرة والمتكررة لهدم الإسلام.
ونحن هنا نلفت الأنظار بقوة إلى أن كل دعوة قومية لإحياء العنصرية العرقية إنما هي دعوة مشبوهة، لأنها ضد الدين في المبدأ والأساس.
(جـ) ادعاؤه الكاذب أن الدين ((ظاهرة اجتماعية)) :
ارتأى طه حسين - والحقد حشو فمه - أو قل: إنه نقل نقلا حرفيا عن أستاذه اليهودي ((إيميل دوركايم)) ذلك الرأي الخطير الكافر، الذي يطيح بكل تراث طه حسين وشخصيته وتاريخه:
"إن العالم ((الحقيقي)) (!!) ينظر إلى الدين كما ينظر إلى اللغة، وكما ينظر إلى الفقه، وكما ينظر إلى اللباس.. من حيث إن هذه الأشياء كلها ((ظواهر اجتماعية)) يحدثها وجود الجماعة. وإذن نصل إلى أن الدين في نظر العلم لم ينزل من السماء1، ولم يهبط به الوحي، وإنما خرج من الأرض كما خرجت الجماعة نفسها.."2.
إذن فطه حسين، هذا المنبع الكدر لتيارات الإلحاد والتشكيك، هو السبب في ذيوع هذه الفكرة السامة التي روّجتها ألسنة الأغرار من الناشئة وأدعياء الثقافة والفلسفة، ونشرتها أقلام الكتاب من كل مسلوبي الشخصية وضعاف العقيدة في هذا العصر، الذين روّجوا أن الدين ظاهرة اجتماعية!! ظاهرة اجتماعية تصدر عن الجماعة، وتتطور معها، وليست بوحي سماوي من الله تعالى. وطه حسين أيضا- وقد ازداد بغيا وعتوا، وإفسادا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله – فقد رتّب على هذه النظرة المتحدية للدين ما يلي:
1- "أن الدين يجب أن يُعلّم فقط كجزء3 من التاريخ القومي، لا
__________
1 تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
2 لم يذكر المؤلف مصدر هذه العبارة مع الأسف.
3 الصواب: باعتباره جزءا؛ لأن الشيء لا يشبه بنفسه هو خطأ نحوي فاضح لعميد الأدب.

الصفحة 188