كتاب الإجماع في الشريعة الإسلامية

"ولسنا نقطع ببطلان مذهب من يتمسك به في حق العمل خاصة"1.
ويمكن تلخيص وجهة نظر القائلين بعدم الحجية بالآتي:
إن الإجماع المنقول بخبر الواحد لا يفيد العلم القاطع فلا يكون حجة. والقائلين بحجية يسلمون بعدم إفادته القطع بل الظن، ويقولون إن الظن يكفي في الأحكام الشرعية كالنصوص المنقولة بخبر الواحد فيكون حجة، ومنهم من يقول إن العمل بالظن الحاصل من الإجماع المنقول خارج عن أصالة حرمة العمل بالظن.
قال ابن قدامة: "ذهب قوم إلى أن الإجماع لا يثبت بخبر الواحد لأن الإجماع دليل قاطع يحكم به على الكاتب والسنة، وخبر الواحد لا يقطع به فكيف يثبت به المقطوع. وليس ذلك بصحيح فإن الظن متبع في الشرعيات والإجماع المنقول بطريق الآحاد يغلب على الظن فيكون ذلك دليلا كالنص المنقول بطريق الآحاد، وقولهم هو دليل قاطع، قلنا قول النبي _ عليه السلام _ أيضا دليل قاطع في حق من شافهه أو بلغه بالتواتر وإذا نقله الآحاد كان مظنونا وهو حجة فالإجماع كذلك بل هو أولى"2.
خاتمة المبحث الأول
تنشر بين حين وآخر بعض الآراء التي يدعى فيها أصحابها إن الإجماع لم يعد ممكنا وأنه قد فقد قيمته التشريعية بعد عصر الصحابة _ رضوان الله عليهم _ ويبنون آراءهم هذه على أمرين:
1_ تفرق أولى الرأي وأهل الحل والعقد في مشارق الأرض ومغاربها، وعدم إمكان معرفتهم، ومعرفة ما اتفقوا عليه من أحكام وفتاوى وأقضية.
2_ اختلاف منازعهم الفكرية والسياسية والشخصية فأنى يتفقون على رأي واحد في مسألة واحدة!!
وأرى أن دعوى تعذر الإجماع لانتشار أهله في البلدان ظاهرة الفساد للأتي: _
1_ أن التفرق المكاني والبعد الزماني لم يحل دون الإطلاع على عدم اختلافهم في مسائل كثيرة، ونقلها إلينا جيلا بعد جيل أدلّ دليل على وقوع الإجماع وعلى أنه لم يفقد قيمته التشريعية من ذلك: جمع القرآن وكتابته، وصحة عقود الاستصناع، وبيع المعاطاة، وبطلان زواج المسلمة بغير المسلم، وتحريم الجمع بين المحارم في النكاح، وقيام الإخوة والأخوات لأب مقام الأخوة الأشقاء عند عدمهم.. إلى غير ذلك.
__________
1 نفسه.
2 روضة الناظر ص78.

الصفحة 81