كتاب الإستشراق وجهوده وأهدافه في محاربة الإسلام والتشويش على دعوته

العمل الطيب، ووعدهم بالجزاء الحسن في الدنيا والآخرة؛ ولذلك أطلق الإسلام كل قوة من قوى الإنسان الخيرة، ولم يقف حائلا دون أية رغبة من رغبات الإنسان الشريفة؛ فإذا رسم الإسلام للإنسان حدودا لا يتعداها، وإذا وضع على طريق مسيرته في الحياة معالم لا يخرج عنها فما ذلك إلا لضمان سلامة الإنسان في تلك المسيرة، ووقايته من شهوات نفسه التي تقوده إلى الهلاك، أو تلبسه الشقاء الدائم في حياته قبل آخرته، فمن رحمة الله تعالى بعباده أن أخذهم بأدب هذه الشريعة الغرّاء، وأنْ حرم عليهم الخبائث التي تفسد عقولهم وقلوبهم، وتغتال معالم الإنسانية فيهم، وتنزلهم إلى عالم الحيوان الذي تريد المادية إنزالهم إليه.
ب_ الوجودية:
تقوم الوجودية على دعوة خادعة، وهي أن يجرد الإنسان نفسه بالتحلل من كل ما يربطه بالمجتمع من نظم وقواعد وعادات وتقاليد، وأن يطلق نفسه على هواها تهيم في كل واد، وترعى كل ما يصادفها على طريقها من غير وعي أو تفكير أو تقدير لما يأخذ أو يدع من أمور، ومن غير تقيّد بشيء ما؛ فلا دين ولا بيت ولا زوجة ولا وطن.
إن الوجودية - في الواقع - آخر تيار فكري أوجدته المادية الحديثة؛ فهي دعوة إلى عزل الإنسان عن عالمه الروحي، وجعله جسدا حيوانيا، ولا يجد في كيانه شيئا من العواطف والمشاعر الإنسانية، يقول بول سارتر زعيم الوجودية المعاصرة: "إن ما ينبغي أن تكون عليه حياة الوجودي هو توديع ما يسميه الجبناء وجدانا وضميرا، والاستجابة إلى داعي الحيوانية وتلبية كل ما تدعو إليه شهواته، ونبذ كل التقاليد والتعاليم الاجتماعية، وتحطيم القيود التي ابتدعتها الأديان"1.
إن الوجودية تفسد طبيعة الإنسان وتدمّر عقله وقلبه وروحه، وتحوله إلى حيوان بلا عقل ولا قلب ولا روح؛ فهي دعوة خبيثة انتشرت في ربوع أوربا وأمريكا نتيجة لموجة الانحلال عن المسيحية التي انتابت هذه البلاد، وقد حرّكت أصابع الصهيونية تلك الدعوة، وأخذ اليهود يروّجونها لإشاعة الانحلال والفوضى في المجتمعات الأوربية والأمريكية، ثم حاولوا تصديرها إلى بلاد المسلمين بواسطة
__________
1 وليم جيمس: إرادة الاعتقاد ص 121 ترجمة الدكتور محمود حب الله.

الصفحة 90