كتاب الحضارة الإسلامية

الوقت الذي كانت فيه أوربا تعيش في ظلمات الجهل والهمجية، ولم ينقذ أوربا من ورطتها التي كانت واقعة فيها إلا نور الإسلام. وما زالت أسماء العلوم والمصطلحات التي أعطاها العلماء المسلمون لغرائب العلم، ما زالت حية في جميع اللغات رغم ما مر عليها من تحريف وتغيير.. ولقد سجل تاريخ الحضارة الإسلامية بإعزاز. وتقول الكاتبة الألمانية الدكتورة سيجريد هونكه، في كتابها ((شمس الله تشرق على الغرب)) تقول: ((إن هذه الطفرة العلمية الجبارة التي نهض بها أبناء الصحراء من العدم، من أعجب النهضات العلمية الحقيقة في تاريخ العقل البشري، فسيادة أبناء الصحراء التي فرضوها على الشعوب ذات الثقافات القديمة، وحيدة في نوعها، وإن الإنسان ليقف حائرا أمام هذه المعجزة العقلية الجبارة)) ..
وإن من يمعن النظر في أعماق الحضارة الإسلامية، وما حققته للإنسانية من أسباب النمو، وعوامل الازدهار، ويلم بما جاء به الفكر الإسلامي، من مفاهيم تناولت أهم معضلات الحياة. إن من يتعمق في ذلك، يدهشه مدى عمق التفكير الواعي الذي بلغ ذروته علماء الإسلام، وقد يتضاعف إعجاب الباحث، بهذا الفيض الزاخر، من الجهود العلمية التي شرقت بالحضارة وغربت، وملأت الدنيا بإشراقها..
وربما تزداد دهشت الباحث العاقل، والمفكر الناصح، ويتعاظم تمجيده لحركة التحول الخطيرة التي أصابت المجتمع العربي في تلك الفترة القصيرة. ترى أي سر هذا الذي استطاع أن يحول عرب الصحراء، وهذه الشعوب المتفرقة.. إلى أساطين في العلم، ومشاعل في الحضارة، ومنارات في الثقافة؟ وأي قوة رفعت العرب من حال البداوة التي كانوا عليها إلى أبطال وقادة، يفتتحون أعظم الممالك وأوسعها، ويجولون في الأرض غير هيابين ولا وجلين..؟ .. وأي دعوة هذه التي حولت الناس من الجهل والجاهلية والمذاهب الوضعية، إلى النور الذي يخرج الناس من الظلمات إلى النور..؟
ليس من المعقول في نظر المفكر.. ولا من المقبول في نظر الباحث.. ولا من المعروف في نظر الدارس.. أن يطفر الفكر العربي الذي قيدته ظروف الحياة القبلية الآسنة اليبوس.. إلى مثل هذه المرتبة العالية، دون أن تكون هناك الأسباب القوية التي دفعت به إلى الحياة المتحركة دفعا.. فما هي تلك الأسباب التي استقى منها الفكر الإسلامي، مادة حيويته وحركته؟ وما هي الموارد

الصفحة 78