كتاب الفصيحة العجما في الكلام على حديث «أحبب حبيبك هونا ما»

كلمات اللغة العربية مهملها ومستعملها.
ولمَّا رأيتُ هذا الحديث قد فعل بي ما لا يفعله الشراب القديم، من النشوة والطرب بالنديم، كتبتُ عليه هذه الرسالة متوسِّلاً بها إلى صاحب الوسيلة والرسالة، وسمَّيتها:
الفصيحة العجما في الكلام على حديث "أحبب حبيبك هونًا ما"
والله المسؤول أن يمنَّ عليها بالقبول، فأقول:

اعلم أنَّني قد رأيتُ الشمس المَيداني ذكر هذا الحديث في أمثاله (¬1).
وقال الخطَّابي: إنه مَثَل مِن أمثال العرب. ولا مناقضة؛ فقد ثبتَ أنه - صلى الله عليه وسلم - تمثَّل كثيراً بأمثال العرب، فمنها ما بقي على معناه كهذا الحديث، ومنها ما أخرجه عن معناه الذي وُضِع له بإرادةِ معنًى آخر، كقوله: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا" (¬2)، وذلك لأنَّ الجاهلية كانت ترى نُصرة الأخ وإن كان ظالمًا، فاستعمله النبي صلى الله عليه وسلم في غير ما أرادت، وأراد بنصرة الأخ الظالم دلالته على الحق وإعلامه أنه ظالم. فإذا فعل الفاعل به ذلك فقد نصره على هوى نفسه وشيطانه وغضبه.
وقوله في الحديث: "أحبب"، أمر إرشاد لا أمر ندب؛ لأنَّ المقصود به نفع المخاطب في الدنيا. قال ابن أبي شريف في حاشيته على جمع الجوامع (¬3):
¬__________
(¬1) مجمع الأمثال 1/ 191.
(¬2) رواه البخاري ح 2444 من حديث أنس رضي الله عنه.
(¬3) هو كمال الدين محمَّد ابن الأمير ناصر الدين محمَّد المقدسي، المعروف بابن أبي شريف، المتوفى سنة 906 هـ، أصولي من علماء الشافعية، واسم حاشيته: =

الصفحة 34