كتاب العقل والنقل عند ابن رشد
بالإلحاد، ومما يروى في سبب تلك النكبة أنه أنكر بحضرة والي قرطبة وجود قوم عاد الذين ورد ذكرهم في الكتاب العزيز، هكذا الرواية - والعهدة على الراوي - وعلى الرغم مما قيل فإن الدارس لآراء ابن رشد يشهد له بالعمق وأنه من أوسع الفلاسفة الإسلاميين في العلوم الماورائية، وله محاولة في ربط الفلسفة بالشريعة في حدود تصوره للشريعة.
وقد قام ابن رشد بشرح عدة كتب من كتب الفلاسفة الإسلاميين وغيرهم، وانتقد بعض أولئك الفلاسفة وفند آراءهم ونظر في علم الكلام فوقف عنده كثيراً ولم يستسغ آراءهم وتأويلهم فأخذ ينقد تأويل الأشاعرة والمعتزلة والماتريدية وحكم عليهم كلهم بأنهم خصمون يجادلون بالباطل حتى تخضع النصوص لآرائهم وعقلياتهم، فرأى أنه لا بد له أن يشق له طريقاً وحده ويطلق العنان لجواد فلسفته لينطلق كما يريد إلا أن جواده لم يسلم كبوة - لكل جواد كبوة - ومن كبوة جواده وهفوة ذهنه أنه يرى:
إذا وجدت بعض الآيات في الكتاب العزيز تضاد الفلسفة يجب تفسيرها تفسيراً شعبياً باعتبار أن لكل آية معنيين: حرفي شعبي وروحي خاص، فالحرفي للشعب، والروحي للفلاسفة. بل يقول ما هو أدهى من هذا وأمر؛ إذا يقول: "كما أن الأنبياء يتقبلون الوحي فيبلغونه للشعب، وكذلك الفلاسفة وهم أنبياء الطبقة العالمة".
لذلك يجب أن يوفق بين الدين والعلم, وعلى العلماء أن يجمعوا بين الحكمة والشريعة وأن يعلموا من الشريعة بما يوافق الحكمة حتى يكون علمهم في كل شيء موافقاً للحكمة. ومن أقواله المأثورة: "الحق لا يضاد الحق بل يوافقه ويشهد له".
هذه - كما ترى - كبوة خطيرة، بل انزلاقة قاتلة، وقولة منكرة في الإسلام، لا أعلم أنه سبق إليها؛ إذ هي سخرية ساخرة من مقام النبوة, والنبوة منزلة خاصة لا تنبغي إلا لأولئك المصطفين المختارين الذين اختارهم الله وجعلهم واسطة بينه وبين عباده في تبليغ الرسالة إليهم ونصحهم وهدايتهم, أولهم آدم وآخرهم خاتم النبيين محمد بن عبد الله العربي الهاشمي، وقد صرح الكتاب العزيز أنه خاتم النبيين حيث يقول الرب تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب: 40) .
وادعاء النبوة لأحد بعده مصادمة لهذه الآية والأحاديث الصحيحة التي جاءت في هذا المعنى كقوله عليه الصلاة والسلام: "أنا خاتم النبيين لا نبي بعدي"، وابن رشد قد قال قولاً شططاً بادعاء النبوة للفلاسفة، بل إنه يجعلهم نخبة ممتازة من الأنبياء ومرسلة إلى نخبة ممتازة من الناس - إذ يقول: "وكذلك الفلاسفة
الصفحة 79
266