كتاب مملكة النبات كما يعرضها القرآن ويصفها

فهذا إثبات قاطع أن الأرض الميتة تخرج النبات الحيّ يتغذى وينمو ويثمر ويموت، جاء في الكشاف: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} : أي الحيوان والنامي من النطف والبيض والحبّ والنوى، ومخرج هذه الأشياء الميتة من الحيوان والنامي، فان قلت: كيف قال مخرج الميت من الحي بلفظ اسم الفاعل بعد قوله يخرج الحي من الميت؟ قلت: عطفه على فالق الحب والنوى بالنبات والشجر النامي من جنس إخراج الحيّ من الميت؛ لأن النامي في حكم الحيوان، ألا ترى إلى قوله: {يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} ، {ذَلِكُمُ اللَّهُ} أي ذلكم المحيى والمميت هو الله الذي تحق له الربوبية) 1.
فالحبّ الساكن، والنوى الهامد وهو يفلق باطن الأرض ليخرج منه نبات حي، مشهد يتكرر في كل لحظة.. وفي الشجرة الصاعدة، والنبتة النامية تعبير عن معجزة الحياة نشأة وحركة، وعَلى سرٍّ مكنون لا يعلم حقيقته إلا الله.. وتقف البشرية بعد كل ما رأت من ظواهر الأشياء وأشكالها، وبعد ما درست من خصائصها وأطوارها.. تقف أمام السرّ المغيب كما وقف الإنسان الأول؛ تدرك الوظيفة والمظهر، وتجعل المصدر والجوهر، والحياة ماضية في طريقها، والمعجزة تقع في كل لحظة!!. .
ولعل في تنويع نسق التعبير بين (يحرج) و (مخرج) إيقاظا للحس حتى يلتفت للقدرة الباهرة، وهو يعرض آيات الله في الكون.
قال تعالى وهو أصدق القائلين: {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} 2.
الآيات الكريمة هنا تطوف بالقلب البشري في مجالات وآفاق متعددة، وتعرض من مشاهد الكون: الأرض الممدودة وما فيها من رواسي ثابتة، وأنهار جارية، والليل إذ يغشاه النهار، والجنات والزرع والنخيل في مختلف الأشكال والطعوم والألوان، ينبت في قطع من الأرض متجاورات، ويسقى بماء واحد.
وأول المشاهد المعروضة هذه الأرض المبسوطة على امتداد البصر، ولا يهمّ ما يكون شكلها الكلي في حقيقته؛ إذ إن مدّ الأرض وبسطها ليس دليلا على عدم كرويتها؛ إذ هي مبسوطة ممدودة في نظرنا لنعيش عليها، ويقابل مدّ الأرض إرساء الجبال مع تحركها ودورانها.
وعلى هذه الأرض معارض مختلفة، تتفاوت فيها أنظار الناظرين: بين النظرة العابرة التي لا ترى إلا الآفاق الفسيحة الممتدة، والنظرة المتأملة التي تنفذ إلى تدبر عظمة الخالق، وجلال عمله، وروعة حكمته مما يملأ القلب خشوعا، وولاء، وحمدا للخلاق العظيم.. رب العالمين..
__________
1 تفسير الزنحثسرى 3/72.
2 الرعد: 3 -4.

الصفحة 115