كتاب صحيح المقال في مسألة شد الرحال
التَّرَدُّد على الْقَبْر؛ فقد أنكر كل من عَليّ بن الْحُسَيْن زين العابدين وَابْن عَمه الْحسن بن الْحسن على من يتَرَدَّد على الْقَبْر مستدلين عَلَيْهِ بِالْحَدِيثِ الْمشَار إِلَيْهِ، وَالَّذِي يرويانه بإسناديهما إِلَى جدهما سيد الْخلق - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَمَا أخبرا أَنه لَا فرق فِي السَّلَام عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين أَن يكون من قريب أَو من بعيد.
وَهَذَا نَص الحَدِيث: قَالَ أَبُو يعلى فِي سَنَده: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة.. ثمَّ سَاق السَّنَد إِلَى عَليّ بن الْحُسَيْن زين العابدين أَنه رأى رجلا يَجِيء إِلَى فُرْجَة كَانَت عِنْد قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؛ فَيدْخل فِيهَا، فَنَهَاهُ ثمَّ قَالَ: أَلا أحدثكُم حَدِيثا سمعته من أبي عَن جدي عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وسم.. قَالَ: " لَا تَتَّخِذُوا قبرى عيدا، وَلَا تَتَّخِذُوا بُيُوتكُمْ قبورا؛ فَإِن تسليمكم يصلني أَيْنَمَا كُنْتُم". وَفِي بعض الرِّوَايَات: "وصلوا عَليّ؛ فَإِن صَلَاتكُمْ تبلغني حَيْثُ كُنْتُم! ".. وَفِي رِوَايَة: "فَإِن صَلَاتكُمْ وتسليمكم ".
وَفِي مُسْند سعيد بن مَنْصُور: حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد أَخْبرنِي سُهَيْل بن أَنِّي سُهَيْل قَالَ: رَآنِي الْحسن بن الْحسن بن عَليّ بن أَنا طَالب رضى الله عَنْهُم عِنْد الْقَبْر؛ فناداني وَهُوَ فِي بَيت فَاطِمَة يتعشى فَقَالَ: هلمّ إِلَى الْعشَاء! قلت: لَا أريده، فَقَالَ: رَأَيْتُك عِنْد الْقَبْر؟.. قلت: سلمت عَليّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: إِذا دخلت الْمَسْجِد فَسلم، ثمَّ قَالَ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: "لَا تَتَّخِذُوا قبرى.. وَفِي رِوَايَة: بَيْتِي عيدا، وَلَا بُيُوتكُمْ قبورا؛ لعن الله الْيَهُود اتَّخذُوا قُبُور أَنْبِيَائهمْ مَسَاجِد، وصلوا عَليّ فَإِن صَلَاتكُمْ تبلغني حَيْثُمَا كُنْتُم"، ثمَّ قَالَ الْحسن بعد رِوَايَته لهَذَا الحَدِيث: " مَا أَنْتُم وَمن بالأندلس إِلَّا سَوَاء".
قَالَ شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية: "وَرَوَاهُ القَاضِي إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق فِي فضل الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وسلّم".
وَفِي سنَن أبي دَاوُد نَص الحَدِيث الْمُتَقَدّم - لفظا بِلَفْظ - عَن أبي هُرَيْرَة.
وَقَالَ شيخ الْإِسْلَام فِي كتاب الرَّد على الاخنائي: "هَذَا حَدِيث حسن رُوَاته ثِقَات مثساهير، لَكِن عبد الله بن نَافِع الصَّائِغ فِيهِ لين لَا يمْنَع الِاحْتِجَاج بِهِ، خَاصَّة وَأَن لهَذَا الحَدِيث شَوَاهِد مُتعَدِّدَة"، ثمَّ ذكر وَاحِدًا من شواهده فِي سنَن سعيد بن مَنْصُور.
قلت: وَسَيَأْتِي إِن يَشَاء الله نقل احتجاج الْعَلامَة مُحَمَّد بشير السهسواني بِهَذَا الحَدِيث بِرِوَايَاتِهِ فِي رده على زيني دحلان.
مَاذَا نستفيد من هَذَا الحَدِيث؟
ونستفيد من هَذَا الحَدِيث مَا يَلِي:
1- الرَّد على من زعم أَن السَّلَام على رَسُول الله بعد وَفَاته عَلَيْهِ السَّلَام مَا كَانَ يَوْمًا من الْأَيَّام إِلَّا من دَاخل الْمَسْجِد النَّبَوِيّ، وَأَن السَّلَام من قريب أفضل وأنفع مِمَّا إِذا كَانَ من بعيد.
الصفحة 185
322