كتاب تدوين السنة ومنزلتها

على أنه قد يقال: ما يعرفه الفساق من العلم ليس بعلم؛ لعدم عملهم". اهـ1.
وقال العراقي: "قال ابن عبد البر: كل حامل علم معروف العناية به فهو عدل محمول في أمره أبدا على العدالة حتى يتبين جرحه، واستدل على ذلك بحديث رواه من طريق أبي جعفر العقيلي من رواية ابن رفاعة السلامي عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله …به" أورده العقيلي في الضعفاء في ترجمة معان بن رفاعة، وقال: لا يعرف إلا به، ورواه ابن أبي حاتم في مقدمة الجرح والتعديل.
وفي كتاب علل الحلال: أن أحمد بن حنبل سئل عن هذا الحديث فقيل له: كأنه كلام موضوع؟ فقال: لا هو صحيح؟ فقيل له: ممن سمعته؟ قال: عن غير واحد …الخ "2.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "سيأتي قوم يجادلونكم بشبهات القرآن فخذوهم بالسنن؛ فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله عز وجل3.
__________
1 انظر القول السديد في اتصال الأسانيد للشيخ أحمد عثمان العدوي المعروف بالمنبتي مصطلح 38 مخطوط تيمور.
2 انظر فتح المغيث شرح ألفية الحديث.
3 انظر قواعد التحديث ص 50
تدوين الحديث وأطواره منذ فجر الإسلام حتى عصر أصحاب الصحاح الستة
لما كان الحديث من أصل الفروض وجب الاعتناء به، والاهتمام بضبطه وحفظه؛ فلذلك يسر الله للعلماء الثقات الذين حفظوا قوانينه وأحاطوا به؛ فتناقلوه كابرا عن كابر، وأوصله كما سمعه أولهم إلى أخرهم، وحببه الله إليهم لحكمه حفظ دينه وحراسة شريعته؛ فلم يزل هذا العلم من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم غضا طريا، والدين محكم الأساس قوي البنيان.
أشرف العلوم وأجلها لدى الصحابة والتابعين، وتابعي التابعين خلفا عن سلف، لا يشرف بينهم أحد بعد حفظ كتاب الله إلا بقدر ما يحفظ منه، ولا يعظم في النفوس إلا بحسب ما سمع من الأحاديث؛ فتوفرت الرغبات فيه، فما زال لهم من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن انقطعت الهمم شغف على تعلمه، حتى لقد كان أحدهم يرحل المراحل ذوات العدد ويفني الأموال والعدد ويقطع الفيافي والمفاوز، ويجوب البلاد شرقا وغربا في طلب حديث واحد يسمعه من راويه؛ فمنهم من يكون الباعث له على الرحلة طلب ذلك الحديث لذاته، ومنهم من تقترن بتلك الرغبة سماعه من ذلك الراوي بعينه إما لثقته في نفسه، وإما لعلو إسناده؛ فانبعثت العزائم إلى تحصيله.
وكان اعتمادهم أولا على الحفظ والضبط في القلوب، غير ملتفتين إلى ما يكتبونه محافظة على هذا العلم، كحفظهم كتاب الله، ولا معولين على ما يسطرونه وذلك لسرعة حفظهم وسيلان أذهانهم.

الصفحة 33