كتاب أصول الإيمان لابن باز

يصم أولم يزك, أولم يحج, أو غير ذلك من شعائر الإسلام الظاهرة التي أوجبها الله عليه, فإن ذلك دليل على عدم إيمانه أو على ضعف إيمانه, فقد ينتفي الإيمان بالكلية كما تنتفي الشهادتين إجماعاً, وقد لاينتفي أصله ولكن ينتفي تمامه وكماله لعدم آدائه ذلك الواجب المعين كالصوم والحج مع الإستطاعة والزكاة ونحو ذلك من الأمور عند جمهور أهل العلم فإن تركها فسق وضلال ولكن ليس ردة عن الإسلام عند أكثرهم, أما الصلاة فذهب قوم إلى أن تركها ردة ولو مع الإيمان بوجوبها وهو أصح قولي العلماء لأدلة كثيرة, وقال آخرون بل تركها كفر دون كفر إذا لم يجحد وجوبها, ولهذا المقام بحث خاص وعناية خاصة من أهل العلم, ولكن المقصود الإشارة إلى أنه لا إسلام لمن لا إيمان له, ولا إيمان لمن لا إسلام له, وهذا يدل على هذا, وهذا يدل على هذا, وسبق أن الإسلام سمي إسلامًا لأنه يدل على الانقياد والذل لله عز وجل والخضوع لعظمته سبحانه وتعالى، ولأنه يتعلق بالأمور الظاهرة.
وسمي الإيمان إيمانًا لأنه يتعلق بالباطن والله يعلمه جل وعلا، فسمي إيمانًا لأنه يتعلق بالقلب المصدق، وهذا القلب المصدق للدلالة على تصديقه وصحة إيمانه أمور ظاهرة، إذا أظهر الإسلام واستقام عليه وأدى حقه دل ذلك على صحة إيمانه، ومن لم يستقم دل ذلك على عدم إيمانه أو على ضعف إيمانه، والإيمان عند الإطلاق يدخل فيه الإسلام، والعكس كذلك عند إطلاق الإسلام يدخل فيه الإيمان عند أهل السنة والجماعة كما قال الله عز وجل {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} ، فالمعنى فيه الإيمان عند أهل السنة والجماعة فإنه لا إسلام إلا بإيمان، فالدين عند الله الإسلام وهو الإيمان وهو الهدى وهو التقوى وهو البر، فهذه الأسماء وإن اختلفت ألفاظها، فإنها ترجع إلى معنى واحد وهو الإيمان بالله ورسله والاهتداء بهدى الله والاستقامة على دين الله، فكلها تسمى برًا وتسمى إيمانًا وتسمى إسلامًا، وتسمى تقوى وتسمى هدى، وكذلك إذا أطلق الإحسان دخل فيه الأمران الإسلام والإيمان لأنه يخص الكلّ من عباد الله فبإطلاقه يدخل فيه الأمران الأولان الإسلام والإيمان، وعند إطلاق أحد الثلاثة إذا أطلق فإنه يدخل فيه الآخران، فإذا قيل المحسنون هم أخص عباد الله، فلا إحسان إلا بإسلام وإيمان قال تعالى {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} فالمحسن إنما يكون محسنًا بإسلامه وإيمانه وتقواه لله وقيامه بأمر الله بهذا سمي محسنًا، ولا يتصور أن يكون حسنًا بدون إسلام وإيمان.
وهكذا يا أخي لفظ المؤمنين يدخل فيه المسلمون لأنهم -أعني المؤمنين- أخص من لفظ المسلمين، قال الله تعالى {وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} وقال عز وجل {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَار} الآية، فالمؤمن سمي مؤمنًا لتصديقه بقلبه وإسلامه بجوارحه لله وحده، فالمؤمنون مؤمنون بتصديقهم وبإسلامهم وقيامهم بأمر الله ووقوفهم عند حدوده سبحانه وتعالى، ومما يدل على هذا المعنى حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم لما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم قومًا وترك قومًا قال سعد: يا رسول الله أعطيت فلانًا وفلانًا وتركت فلانًا وأني لأراه مؤمنًا،

الصفحة 56