كتاب أصول الإيمان لابن باز

قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أو مسلمًا" فعاد سعد إلى مقالته والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أو مسلمًا" والمقصود أن الإسلام والإيمان عند الاقتران لهما معنيان، معنى أخص ومعنى أعم، فالمسلم أعم من المؤمن، والمؤمن أخص من المسلم، فكل مؤمن مسلم ولا عكس، ولكن عند الإطلاق يدخل أحدهما في الآخر كما سبق بيان ذلك.
وما يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم "الإيمان بضع وسبعون شعبة"، وفي لفظ " بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان" فهذا الحديث يدل على أن مطلق الإيمان يدخل فيه الإسلام، والهدى والإحسان، والتقوى والبر، فالإيمان الذي أعلاه لا إله إلا الله وأدناه إماطة الأذى عن الطريق هو ديننا كله، وهو الإسلام، وهو الإيمان، ولذا قال: "فأفضلها لا إله إلا الله" هي الركن من أركان الإسلام مع الشهادة بأن محمدًا رسول الله، فجعلها هنا أعلى خصال الإيمان. فعلم بذلك أن الإيمان بالله فقط أو الإيمان بالله ورسوله يدخل فيه كل ما شرع الله ورسوله من الصلاة والزكاة والحج والإيمان بالملائكة والكتاب والنبيين واليوم الآخر والقدر خيره وشره لأن هذا كله داخل في مسمى الإيمان بالله، فإن الإيمان بالله يتضمن الإيمان بأسمائه وصفاته ووجوده وأنه رب العالمين وأنه يستحق العبادة، كما يتضمن أيضًا بجميع ما أخبر به سبحانه وتعالى وشرعه لعباده، ويتضمن أيضًا الإيمان بجميع الرسل والملائكة والكتب والأنبياء وغير ذلك.
وهكذا ما جاء في السنة في هذا الباب مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "قل آمنت بالله ثم استقم" يدخل فيه كل ما أخبر به الله ورسوله وكل ما شرعه لعباده، ومن هذا الباب قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} أي قالوا إلهنا وخالقنا ورازقنا هو الله، وآمنوا به إيمانًا يتضمن الاستقامة على ما جاء به كتاب الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، فالقرآن الكريم من سنة الله فيه سبحانه وتعالى أنه يبسط الأخبار والقصص في مواضع ويختصرها في مواضع أخرى ليعلم المؤمن وطالب العلم هذه المعاني من كتاب مجملة ومفصلة فلا يشكل عليه بعد ذلك مقام الاختصار مع مقام البسط والإيضاح، فهذا له معنى وهذا له معنى.
وهكذا الإيمان يطلق في بعض المواضع، وفي بعض يعطف عليه أشياء من أجزائه وشعبه على أن هذه الشعبة من أهم الخصال وأعظمها كما قال عز وجل {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} الآية. فقوله وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة من جملة الإيمان والعمل الصالح لكن ذكرهما هنا تنبيهًا على عظم شأنهما، وهكذا قوله عز وجل {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا} الآية. فالنور المنزل هو من جملة الإيمان بالله وهو داخل فيه عند الاطلاق ولكن نبه عليه لعظم شأنه، وهكذا قوله عز وجل {وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا

الصفحة 57