كتاب علم الجرح والتعديل

زِيَادَة إِيضَاح:
وَفسّر الْعدْل أَيْضا بِأَن يكون مُسلما بَالغا عَاقِلا فَلَا يقبل كَافِر وَمَجْنُون مطبق بِالْإِجْمَاع وَمن تقطع جُنُونه وَأثر فِي زمن إِفَاقَته وَإِن لم يُؤثر قبل وَلَا صَغِير على الْأَصَح، وَقيل يقبل الْمُمَيز إِن لم يجرب عَلَيْهِ الْكَذِب وَأَن يكون سليما من أَسبَاب الْفسق وخوارم الْمُرُوءَة، والمروءة بِضَم الْمِيم وَالرَّاء على وزن سهولة وَهِي آدَاب نفسانية تحمل مراعاتها على الْوُقُوف عِنْد محَاسِن الْأَخْلَاق وَجَمِيل الْعَادَات ومعرفتها ترجع إِلَى الْعرف.
مَا يَسْتَوِي فِيهِ الْمُحدث وَالشَّاهِد من الصِّفَات وَمَا يفترقان فِيهِ جَاءَ عَن أَبى بكر مُحَمَّد ابْن الطّيب قَالَ: لَا خلاف فِي وجوب قبُول خبر من اجْتمع فِيهِ جَمِيع الصِّفَات الشَّاهِد فِي الْحُقُوق من الْإِسْلَام وَالْبُلُوغ وَالْعقل والضبط والصدق وَالْأَمَانَة وَالْعَدَالَة إِلَى مَا شاكل ذَلِك، وَلَا خلاف أَيْضا فِي وجوب اتِّفَاق الْمخبر وَالشَّاهِد فِي الْعقل والتيقظ فَأَما مَا يفترقان فِيهِ فوجوب كَون الشَّاهِد حرا وَغير وَالِد وَلَا مَوْلُود وَلَا قريب قرَابَة تُؤدِّي إِلَى ظَنّه وَغير صديق ملاطف وَكَونه رجلا إِذا كَانَ فِي بعض الشَّهَادَات وَأَن يكون اثْنَيْنِ فِي بعض الشَّهَادَات وَأَرْبَعَة فِي بَعْضهَا وكل ذَلِك غير مُعْتَبر فِي الْمخبر لأننا نقبل خبر العَبْد وَالْمَرْأَة وَالصديق وَغَيره، وإجمالا: الرِّوَايَة وَالشَّهَادَة كِلَاهُمَا خبر غير أَن الرِّوَايَة خبر عَام قصد بِهِ تَعْرِيف دَلِيل شَرْعِي وَأما الشَّهَادَة فَهِيَ خبر خَاص قصد بِهِ تَرْتِيب فصل الْقَضَاء عَلَيْهِ وَيشْتَرط عدم الْعَدَاوَة بَين الشَّاهِد والمشهود عَلَيْهِ.
تَنْبِيه:
قَالَ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ: "فَأَما الحَدِيث الَّذِي أخبرناه القَاضِي أَبُو عمر الْقَاسِم بن جَعْفَر الْهَاشِمِي بِسَنَدِهِ عَن صَالح بن حسان عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: "لَا تكْتبُوا الْعلم إِلَّا عَمَّن تجوز شَهَادَته.." فَإِن صَالح بن حسان تفرد بروايته وَهُوَ مِمَّن اجْتمع نقاد الحَدِيث على ترك الِاحْتِجَاج بِهِ لسوء حفظه وَقلة ضَبطه، وَكَانَ يروي الحَدِيث عَن مُحَمَّد بن كَعْب تَارَة مُتَّصِلا، وأخري مُرْسل، وَيَرْفَعهُ تَارَة ويوقفه أُخْرَى.. وسَاق كل طرقه"، ثمَّ قَالَ: "على أَن هَذَا الحَدِيث لَو ثَبت إِسْنَاده وَصَحَّ رَفعه، لَكَانَ مَحْمُولا على أَن المُرَاد بِهِ جَوَاز الْأَمَانَة فِي الْخَبَر بِدَلِيل الْإِجْمَاع على أَن خبر العَبْد الْعدْل مَقْبُول".
روى ابْن حبَان بِسَنَدِهِ عَن مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم عَن أَبِيه قَالَ: قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالخيف من منى فَقَالَ: "نضر الله عبدا سمع مَقَالَتي فوعاها ثمَّ أَدَّاهَا إِلَى من لم يسْمعهَا فَرب حَامِل فقه لَا فقه لَهُ وَفِي رِوَايَة "غير فَقِيه " وَرب حَامِل فقه إِلَى من هُوَ أفقه مِنْهُ ثَلَاث لَا يضل عَلَيْهِنَّ قلب الْمُؤمن: إخلاص الْعَمَل والنصيحة لأولى الْأَمر وَلُزُوم الْجَمَاعَة فَإِن دعوتهم تكون من ورائهم" 1 قَالَ أَبُو حَاتِم: "الْوَاجِب على كل من ركب فِيهَا آلَة الْعلم، أَن يرْعَى أوقاته على حفظ السّنَن رَجَاء اللحوق بِمن دَعَا لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ الله جلّ وَعلا أَمر عباده بِاتِّبَاع سنته وَعند التَّنَازُع الرُّجُوع إِلَى مِلَّته حَيْثُ قَالَ: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُول} 2 ثمَّ نفى الْإِيمَان عَمَّن لم يحكمه فِيمَا شجر بَينهم فَقَالَ: {فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} 3 وَلم يقل حَتَّى يحكموا فلَانا وَفُلَانًا فِيمَا شجر بَينهم وَلَا قَالَ حرجا مِمَّا قضى فلَان وَفُلَان، فَالْحكم بَين الله عز وَجل وَبَين خلقه رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَط، فَلَا نحب لمن أشعر الْإِيمَان قلبه أَن يقصر فِي حفظ السّنَن بِمَا قدر عَلَيْهِ حَتَّى يكون رُجُوعه عِنْد التَّنَازُع إِلَى قَول من لَا ينْطق عَن الْهوى إِن هُوَ إِلَّا وَحي يُوحى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد تقدم حَدِيث "بلغُوا عني وَلَو آيَة.." وَالْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي تَغْلِيظ الْكَذِب عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَثِيرَة كَمَا مر أَيْضا.
__________
1 الْجرْح وَالتَّعْدِيل لِابْنِ أَبى حَاتِم قسم 1ص 10 وَأخرجه أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ وَهُوَ حسن.
2 سُورَة النِّسَاء آيَة (59) .
3 سُورَة النِّسَاء آيَة (65) .

الصفحة 58