كتاب مفهوم الأسماء والصفات (اسم الجزء: 1)

أليس الله تعالى يقول؟ {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ. قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ؟ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} (التوبة آية 51، 52) . فنتيجة الجهاد بالنفس: إما نصر يحمل الخير ويرفع كلمة الله، وإما استشهاد لا موت معه بل حياة به عند الله - وهل هذا التخاذل من الأكثرين عن الجهاد بالمال خشية نفاذه؟ أليس الله تعالى قد ضمن الرزق لكل من خلق. وأنت ممن خلق- فطمأنك وأكد لك وقال لك: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} (الذاريات آية 22، 23) - ثم زاد اطمئنانك فبين أن ما لديه غير قابل للنفاذ إطلاقا فقال سبحانه: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} - (ص آية 54) .
أين عدة المسلمين الموحدة التي أمرهم الله تعالى بإعدادها لدحر أعداء الإسلام بأي اسم كانوا وعلى أي أرض وجدوا؟ أين تنفيذ أمره تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُم} (الأنفال آية 60) .
لم هذا التباطؤ والانكباب على هذه الحياة المترفة التي حولت أغلب لبنات الأمم الإسلامية - إلا من رحم الله - إلى لبنات هشة ناعمة لا تقوى على مجابهات أعداء الله وصد شراستهم في تحركات غادرة بغية محو كيان المجتمع الإسلامي من خارطة العالم، وإذا في مجتمعاتهم الصارخة بالإلحاد والكفر- إن كل مؤمن يملأ قلبه أمل عريض، وضراعة إلى الله صادقة، أن يجمع شتات الأمم الإسلامية ويوحد فرقتها، ويبدد الخلافات بينها، ويجعلها أمة واحدة، معبودها رب واحد، وقدوتها إمام واحد، ونهجها كتاب واحد، ووجهتها قبلة واحدة، وغايتها- بإعلاء كلمة الله- واحدة.
إنه مما لا شك فيه أن اجتماع الأمم الإسلامية- وخاصة إذا دعمها الإيمان - يرهب أعداء الله، ويملأ قلوبهم رعبا وفزعا؛ ثم إن يد الله دائما على الجماعة المؤمنة، وهذا يستتبع نصره لها {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} (غافر آية 51) لما ينصرف أكثر المسلمين عن هدى الله ويصبحون إمَعات؟ إن أحسن الناس أحسنوا تقليدا غير بصير على نهجهم؟ وإن أساءوا أساءوا تقليدا غير بصير كذلك على دربهم؟
إنني أتصور أن الذي صرف أكثر هؤلاء المسلمين عن الله إنما هو جهلهم بالله، ومن جهل الله جهل ما قال، وكما يقال: "من جهل شيئا عاداه". ومن ثم لما جهلوا الله عادوه، ولجئوا إلى غيره فأشركوا فحبطت أعمالهم، ولما جهلوا قول الله تعالى عادوه كَذلكَ، ولجئوا إلى قول غيره، فضلوا وتخبطوا، واستشرى فسادهم، وعم شقاؤهم. وصدق الله جل وعلا حين قال: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكا} (طه آية 124) .
فلابد إذن للمسلم أن يتعرف على الله تعالى حتى يعبد إلها يعرفه، فتسلم له عباداته- وقد ذكر بعض العلماء فوائد معرفة صفات الله وأسمائه، وأفعاله وتقديسه عن النقائص، ونجمل هذه الفوائد - لعظيم أهميتها- فيما يلي:
1- أن معرفة الله تعالى هي من أشرف العلوم وأجلها على

الصفحة 77