كتاب مفهوم الأسماء والصفات (اسم الجزء: 1)

وقد نسب القرطبي إلى عبد الله بن عباس رضى الله عنهما قوله: "الرحمن الرحيم اسمان رقيقان وأحدهما أرق من الآخر". وقد استشكل الخطابي هذا القول، ونقله عنه القرطبي في الجزء الأول ص 106، إذ قال الخطابي في استشكاله المذكور: "وهذا مشكل، لأن الرقة لا مدخل لها في شيء من صفات الله سبحانه".
وقال الحسين بن الفضل البجلي: "هذا وهم من الراوي لأن الرقة ليست من صفات الله تعالى في شيء، وإنما: هما اسمان رفيقات أحدهما أرفق من الآخر، والرفق من صفات الله عز وجل. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف" 1.
والحقيقة أنني أعجبت كثيرا بهذا الاستشكال، ولذلك ألفت إخواني المؤمنين إليه.
وأما قرن الرحمن بالرحيم مع أن كلا منهما مشتق من الرحمة، فإنه يجوز تكرير الاسمين إذا اختلف اشتقاقهما على جهة التوكيد، كما يقال: جاد ومجد2.
وقال القرطبي: "وصف نفسه تعالى بعد: رب العالمين بأنه: الرحمن الرحيم، لأنه لما كان في اتصافه: برب العالمين ترهيب، قرنه بالرحمن الرحيم لما تضمن من الترغيب، ليجمع في صفاته بين: الرهبة منه، والرغبة إليه، فيكون أعون على طاعته وأمنع، كما قال تعالى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ} (الحجر آية 49، 50) ، وقال: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ} (غافر آية 2) . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في جنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته أحد" 3.
أسماء الله تعالى وصفاته منطلق لتوحيد ألهيته:
وبمناسبة كلامي على اقتران (الرحمن الرحيم) يهمني أن ألفت إخواني المؤمنين إلى أن الله تعالى جعل أسماءه الحسنى وصفته العليا دليلاً على توحيد إلاهيته، بمعنى أنه يجعل أسماءه وصفاته منطلقا إلى توحيد إلاهيته، وذلك على نحو ما ذكرنا في توحيد الربوبية الذي يجعله سبيلا إلى توحيد إلالهية4.
مثال ذلك:
قوله جل وعلا: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (البقرة آية 163) فجعل
__________
1 مرجع الزجاج ص 28
2 نفس المرجع السابق ص 28
3 تيسير العلي القدير المجلد الأول ص 14 وفتح القدير الجزء الأول 21.
4 راجع حلقات (مفهوم الربوبية) في أعداد هذه المجلة لسنتها الحادية عشرة لكاتبها سعد ندا.

الصفحة 95