كتاب بيئات التربية الإسلامية
إن واجب الأسرة في الإسلام توجيه الأطفال إلى الصلاة وعبادة الله {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} ومراقبة تنفيذ هذا الأمر وأخذهم بشدة في سن العاشرة والتفريق بينهم في المضاجع والاستئذان في الأوقات التي حددها القرآن لأن الطفل لا بد أن ينشأ على السلوك الإسلامي الذي يخضع النظام الأسري فيها لتعاليم الإسلام ونظمه في المأكل والملبس والسلوك وكل شأن من شؤون الحياة، وعن دور الأسرة في تربية الأولاد يقول الغزالي: "اعلم أن الطريق في رياضة الصبيان من أهم الأمور وأوكدها، والصبي أمانة عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة ... وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك… ورياضته بأن يؤدبه ويهذبه ويعلمه محاسن الأخلاق، ويحفظه من قرناء السوء.. ومهما رأى فيه مخايل التمييز فإنه ينبغي أن يحسن مراقبته، وأول ذلك ظهور أوائل الحياء، فإنه إذا كان يحتشم ويستحي ويترك بعض الأفعال فليس ذلك إلا لإشراق نور العقل عليه، حتى يرى بعض الأشياء قبيحا ومخالفا للبعض فصار يستحي من شيء دون شيء، وهذه هدية من الله تعالى إليه، وبشارة تدل على الأخلاق، وصفاء القلب، وهو مبشر بكمال العقل عند البلوغ فالصبي المستحي لا ينبغي أن يهمل، بل يستعان على تأديبه بحيائه وتمييزه، وإن الصبي إذا أهمل في بدء نشأته خرج في الأغلب رديء الأخلاق، كذابا حسودا، سروقا، نماما لحوحا، ذا فضول وضحك، وكيد ومجانة، وإنما يحفظ عن جميع ذلك بحسن التأديب ثم يشغل في المكتب فيتعلم القرآن وأحاديث الأخبار، وحكايات الأبرار وأحوالهم ليغرس في نفسه حب الصالحين ويحفظ (بضم الياء وسكون الحاء وفتح الفاء) من الأخبار التى فيها ذكر العشق وأهله ... ثم مهما ظهر من الصبي خلق جميل وفعل محمود فإنه ينبغي أن يكرم عليه ويجازى عليه بما يفرح ويمدح بين أظهر الناس فإن خالف ذلك في بعض الأحوال مرة واحدة ينبغي أن يتغافل عنه وألا يهتك ستره ولا يكاشفه، ولا سيما إذا ستره الصبي واجتهد في إخفائه وإن عاد ثانية ينبغي أن يعاتب سرا ويقال له: إياك أن تعود بعد ذلك لمثل هذا فتفضح بين الناس، ولا تكثر القول عليه بالعتاب في كل حين، فإنه يهون عليه سماع الملامة، وركوب النتائج ويسقط وقع الكلام من قلبه، وليكن حافظا هيبة الكلام معه، فلا يوبخه إلا أحيانا، والأم تخوفه بالأب وتزجره عن القبائح" ويقول أيضا: "وينبغي أن يعود ألا يبصق في مجلسه ولا يتمخط، ولا يتثاءب بحضرة غيره، ولا يستدبر غيره، ولا يضع رجلا على رجل، ولا يضع كفه تحت ذقنه، ولا يعمد رأسه بساعده فإن ذلك دليل الكسل، ويعلم كيفية الجلوس، ويمنع كثرة الكلام، ويبين له أن ذلك يدل على الوقاحة، ويمنع الحلف رأسا، صادقا كان أو كاذبا حتى لا يعتاد على ذلك من الصغر.
ويمنع أن يبتدئ بالكلام، ويعود ألا يتكلم إلا جوابا وبقدر السؤال، وأن يحسن الاستماع مهما تكلم غيره ممن هو أكبر منه سنا وأن يقوم لمن فوقه، ويوسع له المكان، ويجلس بين يديه، ويمنع من لغو الكلام وفحشه، ومن اللعن والسب ومن مخالطة من يجري على لسانه شيء من ذلك، فإن ذلك يسري لا محالة من قرناء السوء وأصل تأديب الصبيان الحفظ من قرناء السوء ... وينبغي أن يعلم طاعة والديه ومعلمه ومؤدبه وكل من هو أَكبر منه سنا من قريب وأجنبي ومهما بلغ من التمييز ألا يسامح في ترك الطهارة والصلاة، ويؤمر بالصوم في بعض أيام رمضان.
الصفحة 106
448