كتاب التربية في عصور ما قبل الإسلام وبعده

الماضي الكلاسيكي) ، كما يقول دربير: (يصعب القول عن سكان أوربا القدماء بأنهم تجاوزوا مرحلة البربرية والوحشية؛ فقد كانت أجسامهم قذرة وأخيلتهم مفعمة بالأوهام؛ يؤمنون إيمانا راسخا بكل ما ينقل من الأساطير والحكايات التافهة التي لا أساس لها عن كرامات الضرائح ودعاوى القداسة المزعومة) .
أما التربية المسيحية فلم تخرج عن رسالة المسيح عليه السلام في نشر روح التعاطف والتسامح والمحبة والتواضع، مع استخدام وسائل مختلفة مثل الأمثلة والحكايات الرمزية ذات المغزى الأخلاقي المستمد من الواقع والمألوف، إلى جانب الحكم والأمثال كوسائل سريعة إلى قلوب المستمعين، وقد أخذت التربية المسيحية عن سقراط طريقته في استخدام الحوار للكشف عن المغالطات والأخطاء، وأخذ على هذه الطريقة أن النتائج ونهاية الحوار معدتان سلفا، ولا يمكن تغييرها، وكانت التربية المسيحية تعتمد على الأسرة ثم الكنيسة، ثم دخلتها الانحرافات التي دخلت على المسيحية فتغيرت عن صبغتها الدينية الخالصة، ثم بدأت المسيحية في إنشاء المدارس في اليونان، وجاءت فترة سيطرت فيها الكنيسة فيها على التعليم إلى نهاية القرن الحادي عشر، وكان التعليم قاصرا على أبناء الأغنياء والطبقات العليا ورجال الكنيسة1.
إن التربية المسيحية يمكن النظر إليها من خلال طبيعة الديانة المسيحية؛ فمع ما تقدم ذكره مما جاء في كتاب تاريخ التربية فإن الواقع التاريخي يدل على أن المسيحية لم تكن بطبيعتها ديانة تبنى عليها حضارة أو تقام على ضوء تعاليمها دولة، وقد جاء (بولس) فطمس نورها وأزال البقية من آثار تعاليمها وطعمها بخرافات الجاهلية والوثنية التي نشأ عليها، ثم قضى (قسطنطين) على البقية الباقية فأصبحت النصرانية مزيجا من الخرافات اليونانية والوثنية الرومية والأفلاطونية المصرية والرهبانية؛ فتلاشت تعاليم المسيح كتلاشي القطرة في اليم؛ فأصبحت معتقدات لا تغذي الروح ولا تمد القلب ولا تشعل العاطفة ولا تحل مشاكل الحياة، وأصبحت على تعاقب العصور ديانة وثنية؛ يقول (SALE) مترجم القرآن الكريم إلى الإنجليزية، عن نصارى القرن السادس الميلادي: (وأسرف المسيحيون في عبادة القديسين والصور المسيحية؛ حتى فاقوا في ذلك الكاثوليك في هذا العصر) 2.
والمعروف أن العالم قد وصل إلى درجة كبيرة من الانحطاط في القرنين السادس والسابع؛ نتيجة لانقطاع صلة العالم بالله سبحانه وتعالى، وبعد الشقة بينها وبين رسالات
__________
1 راجع المرجع السابق ومقدمة تاريخ التربية د. إبراهيم ناصر ص 38.
2 راجع الشيخ أبو الحسن الندوي ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين (37) .

الصفحة 107