كتاب التربية في عصور ما قبل الإسلام وبعده

ثالثا: ظهور المدارس المختلفة في علوم الحديث والفقه واللغة في المدينة المنورة والكوفة والبصرة ومصر، وكان من أبرز علماء مدرسة الحديث والفقه محمد الباقر وابنه جعفر الصادق وسفيان الثوري ومالك، كما ظهر في العراق مدرسة أبي حنيفة، وعرفت مدرسة العراق بالرأي وإعمال القياس في القرنين الأول والثاني وكثير من التابعين ينتمون إليها ومنهم الحسن البصري.
ولم تكن المذاهب الأربعة قد تكونت في القرن الأول، ولكن ولد إمامان من الأربعة في أواخر الدولة الأموية، وهما الإمام أبو حنيفة الذي ولد عام 80?، ومالك الذي ولد عام 96?، وامتاز مذهبه باعتماده على الحديث وعمل أهل المدينة.
أما اللغة والنحو فقد ظهرت عدة مدارس أشهرها مدرستا البصرة والكوفة، وقد اشتهر من الأولى عيسى بن عمر الثقفي أستاذ الخليل بن أحمد، وسيبويه ويونس بن حبيب والأصمعي وغيرهم، أما الثانية فعلى رأسها الكسائي والفراء وغيرهما.
وقد تطور منهج التعليم في هذا العصر من حيث المحتوى؛ فشمل - إلى جانب القرآن والحديث والفقه واللغة - العلوم الطبيعية والرياضية.
وقد صاحب التطور في المنهج تطور في مفاهيم التعليم وطرق التعلم وأساليبه.
وكان من نتائج ذلك كله أن بدأت النظريات التربوية تتبلور وتتضح، والمدارس التربوية تتميز.
وساعد على ذلك التطور الكبير في ميادين العلوم المختلفة، وانتعاش الحركة العلمية بظهور رجال نبغوا في ميادين المعرفة المختلفة، من أمثال الطبري في التاريخ والتفسير، والجاحظ والمبرد والزجاج في اللغة والأدب، وفي ذلك يقول الكاتب الأمريكي (دريبز) في كتابه (النزاع بين العلم والدين) - نقلا عن (جيبون) -: (كان أمراء المسلمين في الأقاليم ينافسون الملوك ويناظرونهم في رعاية العلم والعلماء، وكان من نتيجة تنشيطهم وتشجيعهم للعلماء أن انتشر الذوق العلمي في المسافة الشاسعة التي بين سمرقند وبخارى إلى فارس وقرطبة، ويروى عن وزير لأحد السلاطين أنه تبرع بمائتي ألف دينار لتأسيس كلية علمية في بغداد، ووقف عليها خمسة عشر ألف دينار سنويا، وكان عدد الطلبة فيها ستة آلاف لا فرق بينهم بين غني وفقير؛ فكان ابن السيد العظيم وابن الصانع الفقير على السواء، وكانوا يكفون التلاميذ الفقراء مئونة دفع أجر التعليم، ويعطون الأساتذة مرتباتهم بكرم وسماحة، وكانت المؤلفات الجديدة الأدبية تنسخ وتجمع؛ سدا لحاجة أهل العلم ورغبة الأغنياء في جمع الكتب) 1.
__________
1 عطية الابراشي: التربية الإسلامية وفلاسفتها ص 65.

الصفحة 118