كتاب مدرسة الدعوة
وَكَانَ أول مَا اهتم بِهِ الْمنْهَج هُوَ تَصْحِيح العقيدة من الانحراف الَّذِي طَرَأَ عَلَيْهَا، لِأَن الْغَايَة من خلق آدم وَذريته هُوَ تَحْقِيق معنى الْعُبُودِيَّة لله - عز وَجل - فِي الأَرْض، بِاتِّبَاع الْمنْهَج القويم الَّذِي جَاءَ بِهِ الْأَنْبِيَاء والمرسلون، وَذَلِكَ بِعبَادة الله - تَعَالَى - وإخلاص الطَّاعَة لَهُ - سُبْحَانَهُ -.
وَكَانَ النَّاس فِي تِلْكَ الآونة من الزَّمَان قد نسوا الْبَعْث، بل أنكروه، كَمَا هُوَ حَالهم فِي فترات الزَّمَان المتباعدة، فَكَانَت الدعْوَة الإسلامية عَاملا مهما من عوامل إيقاظ هَذَا الْمَعْنى فِي النُّفُوس، وركزت عَلَيْهِ تركيزا بِحَيْثُ لم يعد هُنَاكَ مجَال للشَّكّ فِيهِ.
وَقد ثبَّت الْمنْهَج هَذِه العقيدة بأساليب مُخْتَلفَة، فَضرب الْأَمْثِلَة، وانتقل من الْمَعْقُول إِلَى المحسوس، ولفت أنظار النَّاس إِلَى قدرَة الله فِيمَا حَولهمْ وَفِيمَا يجْرِي بَينهم؛ حَتَّى تكون الوقائع الماثلة شاهدة على مَا يُخْبِرهُمْ بِهِ الله فِي كِتَابه على لِسَان نبيه.
وَحَيْثُ كَانَ الْمنْهَج ربانيا فَإِنَّهُ جَاءَ مناسبا لكل زمَان وَمَكَان، لَا يَعْتَرِيه نقص، وَلَا يطْرَأ عَلَيْهِ تَغْيِير، لِأَن صفة الربانية لهَذَا الْمنْهَج تكسبه معنى الصلاحية والثبات، وَكَونه منهجا لآخر رِسَالَة فِي هَذِه الْحَيَاة يكسبه معنى الخلود إِلَى آخر هَذِه الْحَيَاة، فلسنا إِذا فِي حَاجَة إِلَى تَغْيِير من فَتْرَة إِلَى فَتْرَة، وَلَا فِي حَاجَة إِلَى التَّعْدِيل فِيهِ من حِين إِلَى حِين.
وَأما ثَانِيَة الخصائص فَهِيَ جمعهَا بَين مصَالح الدُّنْيَا وَالْآخِرَة:
قد يخْطر بالبال أَن ربانية الْمنْهَج فِي تِلْكَ الْمدرسَة يدل على أَنَّهَا تتَنَاوَل أُمُور الدّين فَقَط، وَلَا تلْتَفت إِلَى الدُّنْيَا فِي قَلِيل أَو كثير، وَالْوَاقِع خلاف ذَلِك؛ فَإِن تِلْكَ الْمدرسَة قد جمعت بَين مصَالح الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، فِي تناسق تَامّ وتوازن عَجِيب، فَلم تتْرك أحد الْجَانِبَيْنِ يطغى عل الآخر، وَلم تهمل شَيْئا مِنْهُمَا على حِسَاب الآخر، ذَلِك لِأَن الْإِسْلَام ينظر إِلَى الدُّنْيَا على أَنَّهَا هِيَ المزرعة الَّتِي يحصد مِنْهَا الْإِنْسَان زَاده للآخرة، بل هِيَ الجسر الَّذِي يعبر عَلَيْهِ ليصل إِلَى مقره الَّذِي يسْعَى جاهدا لبلوغه.
وَمن جَانب آخر فَإِن الْأَعْمَال الدُّنْيَوِيَّة كلهَا تتحول إِلَى أَعمال دينية إِذا حسنت فِيهَا النِّيَّة، فَأَنت تَأْكُل لتعيش فَقَط هَذَا عمل دُنْيَوِيّ صرف، وَأَنت تَأْكُل لتستعين على طَاعَة الله، وَتقوم بواجبك، بِهَذِهِ النِّيَّة يَنْقَلِب الْعَمَل الدنيوي إِلَى عمل ديني لَك أجره ومثوبته، وَأَنت تتَزَوَّج لتَكون رب أسرة وتنجب الْبَنِينَ وَالْبَنَات، وَأَنت نَفسك تتَزَوَّج لتعف نَفسك وتغض
الصفحة 216
450