كتاب مفهوم الأسماء والصفات (اسم الجزء: 3)

صاغرين، وهذا وعيد شديد لمن استكبر عن دعاء الله، وفيه لطف بعباده عظيم، وإحسان إليهم جليل حيث توعد من ترك طلب الخير منه واستدفاع الشر به بهذا الوعيد البالغ، وعاقبه بهذه العقوبة العظيمة، فيا عباد الله وجهوا رغباتكم، وعولوا في كل طلباتكم على من أمركم بتوجيهها إليه، وأرشدكم إلى التعويل عليه، وكفل لكم الإجابة به بإعطاء الطلبة، فهو الكريم المطلق الذي يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، ويغضب على من لم يطلب من فضله العظيم وملكه الواسع ما يحتاجه من أمور الدنيا والدين2.
أقول: ومن ثم فإن اسم (الحي) - وهو من أسماء الله تعالى الحسنى - يتضمن معنى تفرد الله - عز وجل - بالبقاء الدائم الذي لا فناء معه على الإطلاق، فمن علم أنه هكذا، وأنه يتضمن جميع صفات الكمال الذاتية، وآمن أن الله تعالى وحده هو مصدر كل حياة؛ فإنه لابد أن يجعل اللجأ إليه وحده سبحانه، ضارعا إليه أن يرزقه الحياة الطيبة التي يحس فيها بسعادة العيش، حياة الجسم المعافى من كل داء، وحياة القلب المعافى من كل سوء.
القيوم:
هو من أسماء الله تعالى، ورد بصيغة المبالغة على وزن (فيعول) من قام، يقوم بمعنى يدوم، والقيوم: الدائم، وكان من قراءة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: {الْحَيُّ الْقَيُّومُ} 3.
يقول الرازي: إن القيوم مبالغة من القيام، وكمال المبالغة إنما عند الاستغناء به عن كل ما سواه، وافتقار كل ما سواه إليه؛ فثبت بهذا البرهان أنه سبحانه هو (القيوم) الحق بالنسبة إلى كل الموجودات1.
ويقول: إن تأثيره - سبحانه - في غيره بالإيجاد، والموجد بالقصد والاختيار لابد وأن يكون متصورا ماهية ذلك الشيء الذي يقصد إلى إيجاده، فثبت أن المؤثر في العالم فعال درّاك، ولا معنى للحي إلا ذاك، فثبت أنه سبحانه حي، فلهذا قال: {الْحَيُّ الْقَيُّومُ} ، دل بقوله: {الْحَيُّ} على كونه عالما، وبقوله: {الْقَيُّومُ} على كونه قائما بذاته، مقوما لغيره، ومن هذين الأصلين تتشعب جميع المسائل المعتبرة في علم التوحيد2.
__________
2 فتح القدير الجزء الرابع ص 498.
3 مرجع الزجاج ص 56 – وقال أبو إسحاق الزجاج في هامش هذه الصفحة: قال أبو حيان في البحر المحيط 2/277: قرأ الجمهور (القيوم) على وزن (فيعول) ، وقرأ ابن مسعود وابن عمر وعلقمة والنخعي والأعمش (القيام) ، وفي زاد المسير 1/302: وبه قرأ عمر بن الخطاب وابن مسعود وابن أبي عبلة والأعمش.
1 شرح أسماء الله الحسنى للرازي ص 305
2 المرجع السابق ص 305.

الصفحة 59