كتاب مفهوم الأسماء والصفات (اسم الجزء: 3)

ومن ثم يبدو أن أسماء الله تبارك وتعالى غالبا ما تأتي بعد قضية توحيد الله جل وعلا، وتجريد العبادات له سبحانه.
الغني:
هم اسم من أسماء الله تعالى، يتضمن أن الله جل وعلا غني غنى مطلقا عن جميع خلقه، فليس محتاجا إلى أي منهم، لأنه سبحانه هو خالق الخلق، ومالكه، ومدبر أمره، وخزائن كل شيء عنده وحده، يمد منها خلقه بقدر معلوم حسب مشيئته هو سبحانه كما قال: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} (لحجر آية 21) ومن كانت صفاته بهذه المثابة، فلا يمكن أن يحتاج البتة إلى واحد من خلقه، إذ إن الذي يحتاج إلى غيره لا يصلح أن يكون إلها، ومن ثم إلهنا العظيم هو (الغني) على الإطلاق.
وقد ورد هذا الاسم الكريم (الغني) في القرآن الكريم ثماني عشرة مرة1، على النحو التالي:
ورد عشر مرات 2 مقترنا باسم (الحميد) سبحانه، وذلك على مثل ما يلي:
1- في قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} (البقرة آية 267) .
أقول: وقد سبق الاسمان الكريمان (الغني الحميد) في هذه الآية الكريمة بأمر الله تعالى لنا بأن نعلم أن الله تعالى (غني حميد) ، فهو المتصف بالغنى المطلق، والمستحق للحمد المطلق، وذلك بعد أن أمر المؤمنين - في الآية ذاتها - أن ينفقوا من طيبات ما كسبوا ومما أخرج الله تعالى لهم من الأرض، وأن لا ينفقوا من الخبيث، إذ إنهم لا يقبلون أخذه إلا تساهلا وتجاوزا عن بعض حقوقهم، ومع أمر الله لهم إلا بالإنفاق من الطيبات، فالله غني - على الإطلاق - عن إنفاقهم، ومستحق للحمد على كل ما أمر وفعل.
وقد ذكر الإمام ابن كثير في معنى قوله {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} أن الله تعالى وإن أمركم بالصدقات وبالطيب منها، فهو غني عنها، وما ذلك إلا ليساوي الغني الفقير، كقوله تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} ، وهو غني عن جميع خلقه،
__________
1 المعجم المفهرس.
2 المعجم المفهرس.

الصفحة 74