كتاب مفهوم الأسماء والصفات (اسم الجزء: 3)
القرون الأولى وأتى بمن بعدها، كذلك هو قادر على إذهاب هؤلاء والإتيان بغيرهم، كما قال تعالى: {وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} 2.
وقال الإمام الشوكاني في بيان الآية ذاتها: وربك الغني عن خلقه لا يحتاج إليهم ولا إلى عبادتهم، لا ينفعه إيمانهم ولا يضره كفرهم، ومع كونه غنيا عنهم؛ فهو ذو رحمة بهم لا يكون غناه مانعا من رحمته لهم. وما أحسن هذا الكلام الرباني وأبلغه، وما أقوى الاقتران بين الغنى والرحمة في هذا المقام، فإن الرحمة لهم مع الغنى عنهم، هي غاية التفضل والتطوّل، إذ لو شاء لاستأصل العصاة بالعذاب المفضي إلى الهلاك، ويستخلف من بعد إهلاكهم ما يشاء من خلقه ممن هو أطوع له وأسرع إلى امتثال أحكامه منهم؛ مثل ما استخلف غيرهم الذين أنشأهم من ذرية قوم آخرين أهلكهم - قيل: هم أهل سفينة نوح - ولكنه سبحانه لم يشأ ذلك فلم يهلكهم، ولا استخلف غيرهم رحمة لهم، ولطفا بهم3.
وقد ورد اسم (الغني) سبحانه في القرآن الكريم دون أن يقترن بغيره من أسماء الله تعالى الحسنى خمس مرات 1: على ما يلي:
1- في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (آل عمران آية 97) .
أقول: وقد سبق اسم (الغني) سبحانه في هذه الآية الكريمة ببيان وجوب أداء حج بيت الله الحرام لكل من يستطيع السبيل لبلوغه، وإبراز أن الحج إنما هو لله وحده، واعتبر المستطيع الذي يتقاعس عن أداء هذا الركن من أركان الإسلام كافرا، وكفره عليه، فلن يضر الله به شيئا، إذ إن الله غني عنه وعن عبادته وعن العالمين جميعا، وتجريد العبادة لله وحده هو من توحيده سبحانه.
وقد قال الإمام ابن كثير في بيان قوله تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} : إن من جحد فريضة الحج فقد كفر والله غني عنه. وروى سعيد بن منصور عن عكرمة قال: لما نزلت: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} قالت اليهود: فنحن مسلمون، قال الله عز وجل: فأخصمهم فحجهم، يعني فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله فرض على المسلمين حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا"، فقالوا: لم يكتب علينا وأبوا أن يحجوا، قال الله تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} 2.
__________
2 تيسير العلي القدير المجلد لثاني ص 58- بتصرف قليل.
3 فتح القدير الجزء الثاني ص 164- بتصرف قليل.
1 المعجم المفهرس.
2 تيسير العلي القدير المجلد الأول ص 295- 296.
الصفحة 80
450