كتاب مفهوم الأسماء والصفات (اسم الجزء: 3)

وقد قال الإمام ابن كثير في بيان هذه الآية الكريمة: إن الله تعالى يخبر عن نفسه تبارك وتعالى أنه الغني عما سواه كما قال موسى عليه السلام: {إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ} ، وكما جاء في صحيح مسلم: "يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا"، ومع ذلك فالله لا يحب الكفر لعباده ولا يأمر به، ولكن يحب لهم أن يشكروا ويزيدهم من فضله2.
وقال الإمام الشوكاني في بيان الآية ذاتها: إنه تعالى غير محتاج إليكم، ولا إلى إيمانكم، ولا إلى عبادتكم له، فإنه الغني المطلق، ومع كون كفر الكافر لا يضره كما أنه لا ينفعه إيمان المؤمن فهو سبحانه لا يرضى لأحد من عباده الكفر، ولا يحبه، ولا يأمر به.
وقد اختلف المفسرون في قوله تعالى: {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} هل هي عامة أم خاصة؟
فذهب فريق إلى أنها عامة لعباد الله جميعا؛ فالكفر غير مرضي لله سبحانه على كل حال كما هو الظاهر؛ فقد أخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: والله ما رضي الله لعبد ضلالة، ولا أمره بها، ولا دعا إليها، ولكن رضي لكم طاعته، وأمركم بها، ونهاكم عن معصيته.
وذهب فريق - منهم ابن عباس رضي الله عنهما، على ما أخرجه عنه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات في قوله: {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} - أنهم عباده المخلصون الذين قال عنهم: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} ؛ فألزمهم شهادة أن لا إله إلا الله وحببها إليهم، وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة أن المعنى: لا يرضى لعباده المسلمين الكفر3.
1- وفي قوله تعالى: {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} (يونس آية 68) .
أقول: إن من لديه أدنى ذرة من عقل يعلم يقينا أن الله سبحانه لا يمكن أن يتخذ ولدا، لأن اتخاذ الولد مظهر من مظاهر الحاجة، إذ إن المعهود في الإنسان أنه يتخذ الولد لحاجته إليه ليحمل اسمه ويبقى ذكره بعد موته، وليعينه في حياته إذا عجز أو كبر،
__________
2 تيسير العلي القدير المجلد الثالث ص 497.
3 فتح القدير الجزء الرابع ص 453- 454.

الصفحة 82