كتاب موقعة اليرموك دراسة وتحليل

رَأسه على فَخذه، وبعمرو بن عِكْرِمَة فَجعل رَأسه على سَاقه، وَمسح وجهيهما، وَأخذ يقطر فِي حلقيهما المَاء حَتَّى اسْتشْهدُوا، وَقَالَ: زعم ابْن حنتمة -يَعْنِي عمر- أننا لَا نستشهد1.
وَقَاتل نسَاء الْمُسلمين فِي هَذَا الْيَوْم، وَقتلُوا عددا كَبِيرا من الرّوم، وَكن يضربن من انهزم من الْمُسلمين وَيَقُلْنَ: أَيْن تذهبون وتدعوننا للعلوج، وعندئذ يرجع المنهزمون، وَكَانَ عَمْرو بن الْعَاصِ من المنهزمين وَمَعَهُ أَرْبَعَة نفر حَتَّى بلغُوا النِّسَاء، فَلَمَّا زجرنهم رجعُوا إِلَى الْقِتَال2.
__________
1 ابْن الْأَثِير (2/414) .
2 ابْن كثير (7/13-14) .
دفع الشُّبْهَة:
وَكَانَ يزِيد بن أبي سُفْيَان من الَّذين ثبتوا وَلم يَفروا، وَقَاتل قتالاً شَدِيدا، لِأَن أَبَاهُ مر بِهِ، وَذكره بِمَا يجب عَلَيْهِ وعَلى أَمْثَاله من الْأُمَرَاء، وَأمره بِالصبرِ والثبات، ورغبه فِيمَا عِنْد الله من الْأجر والمثوبة، فَأجَاب يزِيد، أفعل إِن شَاءَ الله3.
وَهَذِه الرِّوَايَة ترد رِوَايَة ابْن الْأَثِير الَّتِي رَوَاهَا عَن عبد الله بن الزبير، وفيهَا يتهم أَبَا سُفْيَان ورجالاً من مَكَّة يسميهم مهاجرة الْفَتْح، بِأَنَّهُم تنحوا عَن الميدان، وظلوا بَعيدا يتربصون بِالْمُسْلِمين فَإِذا ركب الرّوم الْمُسلمين قَالُوا: إيه بني الْأَصْفَر، وَإِذا غلب الْمُسلمُونَ يَقُولُونَ: وَيْح بني الْأَصْفَر.
تدل هَذِه الرِّوَايَة على تجنب أبي سُفْيَان المعركة، وَأَنه لم يشْتَرك فِيهَا، وَلَكِن ابْن الْأَثِير نَفسه يذكر مَا يكذب ذَلِك، حَيْثُ يرْوى بعْدهَا مُبَاشرَة وَفِي الصَّحِيفَة نَفسهَا أَن عين أبي سُفْيَان قد أُصِيبَت فِي المعركة، وَذَلِكَ أَمر مجمع عَلَيْهِ من المؤرخين، فَكيف يكون أَبُو سُفْيَان بَعيدا عَن ميدان المعركة يتربص بِالْمُسْلِمين، وَكَيف يُصِيب سهم فِي عينه فيفقؤها وينتزع السهْم من عينه أَبُو حثْمَة4.
ويروي ابْن كثير عَن سعيد بن المسيَّب عَن أَبِيه قَالَ: هدأت الْأَصْوَات يَوْم اليرموك فسمعنا صَوتا يكَاد يمْلَأ المعسكر يَقُول: يَا نصر الله اقْترب، الثَّبَات الثَّبَات يَا معشر الْمُسلمين قَالَ: فَنَظَرْنَا فَإِذا هُوَ أَبُو سُفْيَان تَحت راية ابْنه يزِيد5.
__________
3 نَفسه.
4 ابْن الْأَثِير (2/414) ، والطبري (3/401) .
5 ابْن كثير (7/14) .

الصفحة 184