كتاب مفهوم الأسماء والصفات (اسم الجزء: 4)

أقول: فبينت هذه الآية الكريمة أن المؤمنين مولاهم الله تبارك وتعالى يدافع عنهم وينصرهم على أعدائهم، وأما الكافرون فليس لهم من يدافع عنهم ولا من ينصرهم لأنهم على باطل، وأهل الباطل لا يستأهلون نصرا، ولا يظهرهم الله عز وجل على أهل الحق.
* ومنها أربع مرات بلفظ (مولاكم) : وذلك في قوله تعالى {بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ} (آل عمران آية 150) . وذلك بعد قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} (آل عمران آية 149) .
والمعنى: أن الله تعالى يحذر عباده المؤمنين طاعة الكافرين والمنافقين، فإن طاعتهم تورث الردى في الدنيا والآخرة، وأمرهم سبحانه بطاعته وموالاته والاستعانة به والتوكل عليه لأنه هو معينهم ناصرهم ومتولي أمورهم، ومن ثم فهو خير من يحقق لهم النصر المبين1.
وكذلك في مثل قوله: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (التحريم آية 2) . ومعنى مولاكم هنا: أي وليكم وناصركم، والمتولي لأموركم2.
وقد ذكر القاسمي في تفسيره أن المقصود بقوله: {بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ} أي فأطيعوه {وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ} أي فينصركم خيرا ممن نصروكم لو نصروكم، وكيف لا يكون خير الناصرين، وهو ينصركم بغير قتال كما وعد بقوله {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ} أي الذي يمنعهم من الهجوم عليكم والإقدام على حربكم {بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ} أي بكونه إلها متصفا بصفاته ومستحقا للعبادة {سُلْطَاناً} أي حجة قاطعة تنبني عليها الاعتقادات {وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ} هي المثوى والمقر، والمأوى والمقام3 -والعياذ بالله-.
وقد أفادت الآية أن ذلك الرعب بسبب ما في قلوبهم من الشرك بالله، وعلى قدر الشرك يكون الرعب. وقد قال القاشانيّ: جعل إلقاء الرعب في قلوب الكفار مسببا عن شركهم، لأن الشجاعة وسائر الفضائل اعتدالات في قوى النفس لتنورها بنور التوحيد، فلا تكون تامة إلا للموحد الموقن في توحيده، وأما المشرك فلأنه محجوب عن منبع القدرة بما أشرك بالله من الوجود المشوب بالعدم الذي لم يكن له بحسب نفسه قوة، ولم ينزل الله بوجوده حجة، فليس إلا العجز والجبن، وجميع الرذائل.
__________
1 تيسير العلى القدير المجلد الأول ص 318.
2 فتح القدير الجزء الخامس ص 250.
3 محاسن التأويل الجزء الرابع ص 993.

الصفحة 46