كتاب مفهوم الأسماء والصفات (اسم الجزء: 4)

ثم بين سبحانه وتعالى مظهر ولايته للمؤمنين يوم القيامة في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَار} (محمد آية/12) وبين في مقابلة ذلك عدم ولايته للكافرين ومظهر ذلك في الدنيا والآخرة في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} (محمد آية 12) أي أن الكفار ليس لهم همٌ في دنياهم إلا الانكباب على الأكل والتمتع في الدنيا، لا هم لهم إلا ذلك، ولهذا ثبت في الصحيح قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "المؤمن يأكل في معًى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء" أي كأن له سبعة أمعاء كناية على كثرة أكله. ويوم القيامة النار تكون جزاء لهم1.
وذكر الإمام الشوكاني في معنى الجزء الأول من الآية الخاصة بالمؤمنين أنه مسوق لبيان ولاية الله تعالى لهم: وذلك بإدخالهم جنات تجري من تحتها الأنهار، وفي بيان معنى الجزء الخاص بالكافرين أنهم يتمتعون بمتاع الدنيا وينتفعون به كأنهم أنعام ليس لهم همٌ إلا بطونهم وفروجهم، ساهون عن العاقبة، لاهون بما هم فيه، والنار مقام لهم يقيمون به، ومنزل ينزلونه ويستقرون فيه2.
أقول: أن لا شك أن ولاية الله تعالى لعباده المؤمنين تسعدهم بالحياة الطيبة في الدنيا، وبدار الكرامة جنات عدن في الآخرة. فهنيئًا لمن بلغ هذه الدرجة الرفيعة فكان الله مولاه.
* ومنها مرتان بلفظ (مولانا) : وذلك في قوله تعالى: {أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (البقرة آية 286) . أي أنت وليُّنا وناصرنا، وعليك توكلنا وأنت المستعان وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك، فانصرنا على القوم الكافرين الذين جحدوا دينك، وأنكروا وحدانيتك، ورسالة نبيك، وعبدوا غيرك، فانصرنا عليهم، واجعل لنا العاقبة عليهم في الدنيا والآخرة. قال الله: "نعم". وفي الحديث الذي رواه مسلم عن ابن عباس: قال الله: "قد فعلت"3. وقال الإمام الشوكاني في معنى قوله تعالى: (أنت مولانا) : أي ولينا وناصرنا، وخرج هذا مخرج التعليم كيف يدعون. وقيل معناه: أنت سيدنا ونحن عبيدك. وذكر في معنى قوله: {فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} : أي من حق المولى أن ينصر عبيده، وأن المراد عامة الكفرة، وأن في هذا إشارة إلى إعلاء كلمة الله في الجهاد في سبيله4.
__________
1 تيسير العلى القدير المجلد الأول ص 59.
2 فتح القدير الجزء الخامس ص 32.
3 تيسير العلى القدير المجلد الأول ص 249.
4 فتح القدير الجزء الأول ص 308.

الصفحة 48