كتاب دراسات في أصول الفقه

ولن نتعرض في هذا الفصل للعلوم التي أشرنا إليها من قبل في معرض حديثنا عن خصوبة علم الأصول، لأن تلك علوم مساعدة للتمكن من علم الأصول، وليست من المباحث الأساسية التي درج علماء الأصول على بحثها في كتبهم.
سنحاول ما أمكن إعطاء فكرة عن المباحث تقارب الصورة التي بسطها الأصوليون في تأليفاتهم مع محاولتنا تبويبها على وجه يتمشى مع ترابط وتسلسل تلك المباحث. وسيكون عرضنا لهذه المباحث إجماليا بحيث نذكر رأس المبحث ونعلق عليه تعليقاً خفيفا ونترك تفصيل المبحث إلى مكانه من العلم.
وعليه فربما يبدو عرضنا لمباحث علم الأصول مجملا جدا، وهو المقصود هنا لأن المطلوب هو التعريف الإجمالي بتلك المباحث.
بعض هذه المباحث التي سنتعرض لها هنا ربما تبدو غير مندرجة في مباحث هذا العلم، لأن العلماء ظلوا يبحثونها في كتب أخرى، لكنها- كما نرى- من المباحث التي يجب أن ترتبط بمباحث علم الأصول، مثل مبحث الثبات والمرونة في الشريعة.
ولابد من أن يتصدر المباحث المندرجة في علم مبحث نشأة علم الأصول، وتدرجه والكتابة فيه وأساليبها وأسسها مع أن العلماء بحثوا هذا الأمر ضمن تاريخ التشريع. لكن حين يكون هذا المبحث متصدرا لمباحث علم الأصول فإنه يساعد كثيرا على فهم العلم، وفهم أصول المذاهب المختلفة، وكيف تكونت. وبالطبع فإن مثل هذا المبحث يعده كثيرون مبحثاً تاريخياً ما كان ممكنا أن يتصدر كتب الأقدمين، خاصة الذين وضعوا اللبنات الأولى لهذا العلم مثل الإمام الشافعي؛ لأنهم كانوا يؤسسون علما لم يسبقهم عليه مؤلفون- أما اليوم فهناك رصيد من الماضي يمكن أن يكون تقديما مفيدا لمباحث علم الأصول.
وفيما يلي من الفقرات نعرض لهذه المباحث إجمالا كما أشرنا:
(1) أوّل المباحث التي بحثها الأصوليون في هذا العلم هو مبحث بيان حقيقة هذا العلم وهو المبحث الذي قدمناه على هذه الفقرات المخصصة للمباحث.
(2) الحكم الشرعي:
يقع الحكم الشرعي- بعد بيان حقيقة الأصول- على رأس مباحث علم الأصول.
فجميع علم الأصول ومباحثه هو وسيلة للتوصل لاستخراج الأحكام الشرعية. فالحكم هو محور العلم كله وغايته التي يهدف إليها.
ففي تعريفنا لعلم الأصول قلنا إنه: أدلة الأحكام، ووجوه دلالاتها على الأحكام.

الصفحة 170