كتاب خصائص ومقومات الاقتصاد الإسلامي

فلئن ظن المرابي أنه يحقق بهذه العملية رغباته في الحياة ويصبح من أصحاب الأموال الطائلة التي لا تحصى، بما يتحصل عليه من فوائد ربوية لا تقف عند حد فيجب أن يتيقن كذلك أن ما جمعه إلى زوال وأن مآله "المحق" كما قال تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} . فشتان ما بين وجه السماحة وطهارة النفس وسمو الإنسانية، وهو الوجه المقابل للصدقة الذي تكفل الله له النماء والزيادة، والوجه الآخر المقابل لعداء الإنسانية كلها بما لا يعرف للرحمة أو الشفقة طريقا، ذلك الوجه المرذول الممثل للأنانية والحقد والشّحّ وخبث النفس والذي توعده الله بالمحق. ولسنا في حاجة بعد ذلك كله لنعت المرابي بأكثر من تلك النعوت التي نعت بها في مواضع كثيرة من الكتاب الكريم لأن مرد ذلك إلى شيء واحد وهو مرض القلب والعياذ بالله، ومرض القلب معروف النتائج ِ… ولما أراد الله تبارك وتعالى أن يبين حقيقة المنافقين؛ إنما نعتهم بذلك فقال: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} . وبالاستقراء والاستنتاج نجد أن الرسول صلوات الله وسلامه عليه إنما عمل -أول ما عمل في بادئ الأمر- على معالجة القلوب في كثير من الأحيان، ووردت في ذلك أحاديث كثيرة تعالج هذه النواحي النفسية بما لا نستطيع حصرها في مثل هذه المعالجة. ولا بأس بذكر شيء منها على سبيل المثال.. فقد جاء في ذلك من حديث طويل رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تحاسدوا ولا تباغضوا، ولا تدبروا وكونوا عباد الله إخوانا -كما أمركم الله تعالى- المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره...." الحديث.
ومعلوم أن كل هذه الأفعال إنما هي من أعمال القلب. وكذلك ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبى أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنه قال: "لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ". إنما يعالج أمراضا نفسية مناطقها القلب. وكذلك الأمر في بيع الرجل على بيع أخيه المنهي عنه في الحديث، لأنه يسبب التباعد والتباغض، والإسلام إنما جاء في الحقيقة ليجمع لا ليفرق، إذا كان الأمر كذلك فما هو موضع- آكل الربا الذي آذنه الله ورسوله بالحرب ولعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذه هي بعض العلاجات لأصحاب القلوب المريضة والأمراض التي حاربها عليه الصلاة والسلام في المجتمع المسلم؛ حتى تسود في الأمة المحبة والألفة والتعاون في الخير بدلا من الاختلاف والفرقة. وإنما سقنا الكلام هنا عن هذه الأمراض كلها لمحل الشاهد: وهو اجتماع

الصفحة 208