كتاب أصح البشائر في مبعث سيد الأوائل والأواخر

إنه انقلاب شامل يطلق المواهب كلها في جزيرة العرب، فتنشط العقول، وتتفجر منابع الحكمة على كل لسان.. وتستحيل الأرض، التي كانت حتى الأمس مرتعا للموت، جنات ترف بالأمن الذي ينعم به كل شيء من إنسان وحيوان.
يالها معجزةً أحالت مرابض الذئاب دورا للعلم فلا يكاد يرى فيها إلا القارئون والكاتبون والمعلمون!
ثم ماذا؟
ثم الحرم المقدس الذي طهره الله من كل نجس الكفر، فلا يرتاده إلا القائمون والعاكفون والركع السجود..
إليه يزحف الملبون لنداء السماء من كل حدب وصوب، ومن جوار المسجد الأقصى يفدون لتمجيد الله، الذي وهب لهم كل هذه النعم، حتى إذا قضوا حجهم، وأدّوا مناسكهم، عادوا إلى ربوعهم فرحين بما نالوا من تجلي مولاهم الحق، وقد غمرتهم السعادة بما استشعروه من مغفرته ورضوانه..
لقد قربوا الذبائح في طاعته، وأكثروا من صدقات الفداء عن كل مساءة يتوهمون أنهم أتوها، ومن أجل ذلك استحقوا أن يسميهم أشعياء (مفديي الرب) ..
ويالها بشارة من حقها أن تذكر أهل الكتاب بالعهد الذي أخذه الله عليهم أن يكونوا أول المؤمنين بالصادق الأمين. إمام النبيين، وسيد الأولين والآخرين ...
عليه صلوات الله وسلامه إلى يوم الدين..
تذييل:
بعد الفراغ من كتابة هذا البحث شاء الله أن أقع على خبر بحيرا في (فقه السيرة) للأستاذ محمد الغزالي وأن أقف من هناك على مناقشة المحدث الفاضل الشيخ ناصر الدين الألباني لقول المؤلف: "سواء صحت قصة بحيرا أو بطلت" ثم لقوله الآخر في شأنها: "والمحققون على أن هذه الرواية موضوعة مضاهاة لمزاعم الإنجيليين في شأن المسيح" حيث يقفي الشيخ ناصر على الفقرة الأولى بقوله: "بل هي صحيحة.." ويحتج لرأيه بأن الترمذي قد أخرج الخبر من طريق أبي موسى الأشعري وعرفه بأنه (حديث حسن) ثم نقل قول الجزري بأن "ذكر أبي بكر وبلال فيه غير محفوظ" وأردف ذلك برواية البزار عن هذه الفقرة أن الذي عاد بمحمد (صلى الله عليه وسلم) إلى مكة رجل آخر أرسله معه عمه. ومن ثم عمد إلى نفي

الصفحة 286