كتاب ملاحظات حول كتاب عقيدة السلف والخلف
وَالْخلف فِي ذَات الله تَعَالَى، وَصِفَاته، وَالْجَوَاب الصَّحِيح لما وَقع فِيهِ الْخلاف من الْفُرُوع بَين الداعين للسلفية وَأَتْبَاع الْمذَاهب الْأَرْبَعَة الإسلامية) فَهَذِهِ التَّسْمِيَة الطَّوِيلَة للْكتاب الْمَذْكُور بِهَذِهِ الصّفة وَبِهَذَا الأسلوب فِيهِ دلَالَة وَاضِحَة على عدم علم صَاحبه فضلا عَمَّا أوردهُ فِيهِ من النَّقْل غير الْمسند كَمَا ستعرف ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى ثمَّ هُوَ لَا يفرق بَين الْعَصَا والحية وَبَين الأَرْض وَالسَّمَاء وَبَين الظلام الدامس والنور الْوَهَّاج.
وَقد فَكرت كثيرا –بعد الدُّعَاء من الْبَارِي جلّ وَعلا لهَذَا الْأَخ الْكَرِيم- فِي كَيْفيَّة المناقشة مَعَه وَقد عرفت حَاله تَمامًا أثْنَاء إِلْقَاء نظرتي على كِتَابه هَذَا مَعَ مَا قَالَه فَضِيلَة العميد فِي كَلمته. وَلست أُبَالِي بِمَا يَقُول فِي حق السّلف رَحِمهم الله تَعَالَى بِأَنَّهُم حشوية مَا دَامَ جعل عقيدة السّلف وَالْخلف وَاحِدَة لَا فرق بَينهمَا فِي نظره أبدا، مَعَ أَن الَّذين أوجدوا هَذِه العقيدة الخلفية أول مرّة وَتَكَلَّمُوا فِيهَا قَالُوا: "إِن عقيدة السّلف أسلم وعقيدتنا أعلم وَأحكم"، وَلَا يُنكر هَذِه الْحَقِيقَة إِلَّا من كَانَ بَعيدا عَن الْعلم فِي هَذَا الْمَوْضُوع بِالذَّاتِ وَلَقَد عجبت من الْأَخ وَذَلِكَ فِي عنوان كِتَابه إِذْ جعل عقيدة السّلف الصَّالح ذاتا وَصفَة وَعبادَة لله تَعَالَى كعقيدة الْخلف الَّتِي اضطرت فِيهَا أَصْحَابهَا الْأَولونَ (اضطرابا شَدِيدا وانقسموا) إِلَى طوائف عديدة وَنحل مُخْتَلفَة وملل متنوعة بَعضهم أقرب إِلَى عقيدة السّلف (الصَّالح) رَحِمهم الله تَعَالَى.
وَلم نسْمع وَلم نر أحدا أَنه أنكر هَذِه الْحَقِيقَة الناصعة مِمَّن سبقه سبقا علميا وزمانيا. فَهَذَا الشَّيْخ مُحَمَّد زاهد الكوثري الَّذِي حمل لِوَاء التعطيل فِي الزَّمن الْأَخير وَالَّذِي لم يتْرك كتابا من كتب السّلف إِلَّا وَقد علق عَلَيْهِ إِثْبَاتًا لهَذِهِ العقيدة الخلفية ودفاعا عَنْهَا واستماتة فِي سَبِيلهَا ونكاية بعلماء السّلف الصَّالح من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن تَبِعَهُمْ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. إِلَى أَن قَامَ الْعَلامَة الْمُحدث الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن المعلمي الْيَمَانِيّ فِي كِتَابه النافع البارع: (التنكيل بِمَا فِي تأنيب الكوثري من الأباطيل) وَقد نشره وَأنْفق عَلَيْهِ نَاصِر السّنة المحمدية الشَّيْخ مُحَمَّد نصيف رَحمَه الله تَعَالَى ووزعه فِي سَبِيل الله تَعَالَى على طلبة الْعلم. وَإِنِّي أرى فِي هَذَا الْمقَام أَن أتعرض لهَذِهِ الْفِتْنَة وَمن هم أَصْحَابهَا الْأَولونَ ثمَّ انتشارها فِي صُفُوف الَّذين لم تتمكن العقيدة الصَّحِيحَة الصافية من قُلُوبهم.
تِلْكَ العقيدة الَّتِي جَاءَ بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذَلِكَ بعد وَقت قصير من طُلُوع الصُّبْح الصَّادِق الَّذِي أعْطى للكائنات كلهَا –فضلا عَن الإنسانية- ثقافة جَدِيدَة وحياة حرَّة كَرِيمَة، ومحبة إيمانية مثالية ونظاما رفيعا ومنهاجا مُسْتَقِيمًا وأخوة صَادِقَة عَظِيمَة وعقيدة صَافِيَة نقية وسياسة حكيمة قَالَ تَعَالَى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ
الصفحة 291
376