كتاب المسكرات والمخدرات

قال الحافظ ابن حجر: "إن قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم. محمول على حالة الاختيار. وأما في حال الضرورة فلا يكون حراماً كالميتة للضرورة. ولا يرد قوله صلى الله عليه وسلم في الخمر " إنها ليست بدواء إنها داء " في جواب من سأله عن التداوي بها. فإن ذلك خاص بالخمر ويلحق بها غيرها من المسكر والفرق بين المسكر وغيره من النجاسات أن الحد يثبت باستعمال المسكر في حال الاختيار دون غيره ولأن استعمال المسكر يجر إلى مفاسد كثيرة. ولأنهم في الجاهلية كانوا يعتقدون أن في الخمر شفاء فجاء الشرع بخلاف معتقدهم.
وأما أبوال الإبل فقد روى ابن المنذر عن ابن عباس مرفوعا أن في أبوال الإبل شفاء لذربة بطونهم - والذرب فساد المعدة - فلا يقاس ما ثبت أن فيه دواء على ما ثبت نفي الدواء عنه قال: وبهذا الطريق يحصل الجمع بين الأدلة والعمل بمقتضاها1.
ويقول ابن رشد في بداية المجتهد: استعمال المحرمات في حالة الاضطرار الأصل فيه قوله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ} 2.
ثم بين أن استعمال المحرم إن كان لطلب البرء فهو محل خلاف بين الفقهاء. فمن أجازه منهم احتج بإباحة النبي صلى الله عليه وسلم الحرير لعبد الرحمن بن عوف لمكان حكة كانت به. ومن منع ذلك احتج بقوله عليه الصلاة والسلام: " إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم "3.
__________
1 انظر: كتاب تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ص 243/ 245 مطبعة المدني ج1.
2 الأنعام الآية: 119 وانظر: ج1 من بداية المجتهد لابن رشد ص 585 ط حسان.
المنافع التي في الخمر:
وإذا قال قائل: إذا ثبت أن الخمر فيها من المضار ما ذكرتم. فكيف وصفها القرآن بأن فيها منافع للناس.
والجواب عن ذلك أن المقصود بالمنافع في الآية المنافع المادية التي كانوا يستفيدونها من تجارة الخمر يربحون منها الربح الفاحش كما يربحون من وراء الميسر. ومما يدل على أن النفع مادي أن الله تعالى قرنها بالميسر. ولا شك أن النفع في الميسر مادي بحيث يكون الربح لبعض المقامرين فكذلك الخمر.
قال القرطبي: "فأما المنافع في الخمر فربح التجارة. فإنهم كانوا يجلبونها من الشام"
__________
3 الحديث أخرجه البيهقي وصححه ابن حبان انظر: ج4 من سبل السلام ص 36 ط الحلبي.

الصفحة 35