كتاب سبيل الدعوة الإسلامية للوقاية من المسكرات والمخدرات

الصحيح أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه _ وحسبك به عالما باللسان والشرع _ خطب على منبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس: ألا إنه قد نزل تحريم الخمر يوم نزل وهي من خمسة من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير، ثم قال: والخمر ما خامر العقل" وهذا بين ما يكون في معنى الخمر، يخطب به عمر بالمدينة على المنبر بمحضر جماعة من الصحابة، وهم أهل اللسان، ولم يفهموا من الخمر إلا ما ذكرناه، وإذا ثبت هذا بطل مذهب أبي حنيفة والكوفيين القائلين بأن الخمر لا تكون إلا من العنب وما كان من غيره لا يسمى خمرا ولا يتناوله اسم الخمر وإنما يسمى نبيذا 1.
وساق ابن رجب حديث"كل شراب مسكر فهو حرام"عن عائشة رضي الله عنها، ثم قال:"نقل ابن عبد البر إجماع أهل العلم بالحديث على صحته وأنه أثبت شيء يروي عن رسول صلى الله عليه وسلم في تحريم المسكر ثم قال:"وأما ما نقله بعض فقهاء الحنفية عن ابن معين من طعنه فيه فلا يثبت ذلك عنه، وخرج مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"كل مسكر حرام"وإلى هذا القول ذهب جمهور من علماء المسلمين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء الأمطار وهو مذهب مالك والشافعي والليث والأوزاعي وأحمد وإسحق ومحمد بن الحسن وغيرهم، وهو ما أجمع على القول به أهل المدينة كلهم وخالف فيه طوائف من علماء أهل الكوفة وقالوا: إن الخمر إنما هو خمر العنب خاصة، وما عداها فإنما محرم منه القدر الذي يسكر ولا يحرم ما دونه، وما زال علماء الأمصار ينكرون ذلك عليهم"2.
ونعود فنقرر _ ما قرره جمهور الفقهاء وهو الصحيح _ أن كل ما من شأنه أن يسكر يعتبر خمرا ولا عبرة بالمادة التي أخذت منه، فما كان مسكرا من أي نوع من الأنواع فهو خمر شرعا ويأخذ حكمه، يستوي في ذلك ما كان من العنب أو التمر أو الحنطة أو الشعير أو العسل، أو ما كان من غير هذه الأشياء 3.
يقول الإمام ابن تيمية:"إن الله حرم الخمر لأنها توقع بيننا العداوة والبغضاء وتصدنا عن ذكر الله وعن الصلاة، كما دل القرآن على هذا المعنى، وهذا المعنى موجود في جميع الأشربة المسكرة لا فرق في ذلك بين شراب وشراب، فالفرق بين الأنواع المشتركة من هذا الجنس تفريق بين المتماثلين، وخروج عن موجب القياس الصحيح كما هو خروج عن موجب النصوص"4.
__________
1 انظر: تفسير القرطبي 6/294.
2جامع بيان العلم وفضله /395.
3 المحلى لابن حزم 7/ 562 المغني لابن قدامة 9 /158 _ نيل الأوطار للشوكاني 7/ 315 ط دار الجيل. فلسفة العقوبة لأبي زهرة القسم الأول 179.
4 الفتاوى ج19/ 289.

الصفحة 81