كتاب نظام الإثبات في الفقه الإسلامي (اسم الجزء: 58)

الأول: مذهب الإثبات المطلق , ويرمى هذا المذهب إلى عدم تقييد القاضي بطرق معينه وبل يترك للقاضي الحرية الكاملة في اتخاذ الدليل الذي يطمئن إليه , فله أن يستكمل ما نقص من الأدلة التي عجز عنها الخصم , وله أن يحكم بعلمه الشخصي , وله استدراج الخصوم ومباغتهم لانتزاع الحقيقة من أقوالهم. وإلى هذا المذهب تميل القوانين الوضعية الجنائية الحديثة بحجة تطور الجريمة وأساليبها وصعوبة إثباتها بالطرق المحددة.
غي أن هذا المذهب منتقد من حيث أنه يمنح القاضي سلطة واسعة قد تؤدى إلى اعتسافه وانحرافه عن جادة الصواب. فيتحكم في تعيين طرق الإثبات وتحديد قيمتها بما يهوي دون رقابة , كما يؤدى إلى اضطراب العدالة , وفقدان الثقة بالقضاء لاختلف التقدير من قاض لآخر , كما يشجع الظالمين المماطلين على المنازعة في الحق الثابت أملا في الإفادة من اختلاف القضاة في التقدير ز
الثاني: مذهب الاثبات المقيد , ويقوم هذا المذهب بالحد من السلطة المطلقة الممنوحة للقاضي في المذهب السابق , وذلك بتحديد طرق معينة للإثبات , فلا يستطيع الخصوم إثبات دعواهم من خلالها , ولا يستطيع القاضي تكوين عقيدته إلا بهذا الدليل الذي حدده القانون , فلا يحكم بعلمه الشخصي , ولا يجعل للدليل قيمة أكثر مما هو محدد له بالقانون.
وعيب هذا المذهب _ بالرغم مما يكلفه للقضاء من ثقة واستقرار _ أنه يجعل دور القاضي سلبياً , ووظيفته آلية , مما يؤدي إلى يصدر القاضي حكما بغير ما ارتاح له ضميره , إذا نمى إلى اعتقاده أن الحقيقة الواقعة ظاهرة بدليل من غير الطرق التي حددها القانون.
الثالث: مذهب الاثبات المختلط: هو المذهب الذي يجمع بين المذهبين السابقين , فيحاول الجمع بين مميزاتها , والتخفيف من مضارها , فهو مع تحديده لطرق الإثبات إلا أنه يمنح القاضي سلطة في تقدير الأدلة , فمثلا: له أن يقضي بما أجمع عليه الشهود , أو أن يقضي بعكسه , وله سلطة تقدير القرائن. وهذا المذهب هو ما تأخذ به أغلب القوانين الوضعية المعاصرة , فتبلغ حدها الأقصى في المواد الجنائية من جهة حرية القاضي في تقدير الأدلة , وحدها الأدنى في المواد المدنية حيث تكون سلطة القاضي في تقدير الأدلة أقل كثيرا من سلطنه في المواد الجنائية 1.
__________
1 محمد عبد اللطيف: قانون الإثبات في المواد المدنية ص 6. الدكتور سليمان مرقص: اصول الإثبات في المواد المدنية ص 7.

الصفحة 148