كتاب نظام الإثبات في الفقه الإسلامي (اسم الجزء: 58)

مذهب جمهور الفقهاء:
أما بالنسبة لجمهور الفقهاء وما اتجهت إليه أنظارهم في الإثبات , فيرى بعض فقهاء القانون المصرى أنهم أخذوا بمذهب الإثبات المقيد نظراً لما رآه منهم في تحديد الشهادة تحديداً دقيقاً , وجعلها مراتب مترتبة , والتزامهم بهذا التحديد 1.
وفي نظري أن هذا القول ليس بصحيح , فالفقهاء لم يأخذوا بمذهب تقييد افثبات على ما هو عليه عند أصحابه , إنما القول بأنهم أقرب إلى المذهب المختلط هو الصواب عندي , علما بأن نظرة الفقه الإسلامي للإثبات نظرة متميزة لم يكن همها أن تكون ضمن أي من المذاهب المذكورة.
ونرى ان الفقه الإسلامي كان قريباً من المذهب المختلط للأسباب الآتية:
أولاً: إنهم حددوا طرق الإثبات وجعلوها في أدلة معينة , ولكنهم لم يجدوا من سلطة القاضي في تقدير الأدلة كما فعل أنصار المذهب المقيد. وبذلك لم يجعل الفقهاء وظيفة القاضي آلية لا أثر لها في تقدير الأدلة, فللقاضي عند جمهور الفقهاء أن يقضي بغير ما أجمع عليه الشهود إذا ظهر الحق من طريق غيرهم , ومن ذلك قالوا: لا تحد المرأة إذا شهد عليها أربعة بالزنا وظهر أنها بكر 2.
ثانياً: إنهم أعطوا القاضي سلطة تقدير القرائن. هذه السلطة وإن كانت تضيق في مجال الحدود , إلا أنها تتسع في غيرها من الدعاوى الجنائية , كما تتسع في دعاوى المعاملات المالية. وسيتضح هذا القول عند كلامنا عن القرائن إن شاء الله. وسلطة تقدير القرائن هو ما نميز به المذهب المختلط.
ثالثاً: إنهم لم يجيزوا للقاضي ان يقضي يعلمه الشخصي , وهذا ما تميز به المذهب المختلط.
رابعاً: قالوا: إنه لا يلزم الأمر باستشهاد رجلين أو رجل وامرأتين في الديون وقت التحمل ألا يحكم القاضي بذلك الدين. فإن ثبت من طريق آخر كالنكول , أو شاهد ويمين المدعى قضى به3.
__________
1 انظر: أصول الإثبات في المواد المدنية السابق ذكره. هامش ص 4.
2 تحفة المحتاج لابن حجر الهيثمي الشافعي ج 9 ص 114 ط البابي الحلبي سنة 1215 هـ. المغني لابن قدامة الحنبلي ج 8 ص 207 ط دار المنار سنة 1367هـ. البحر الزخار فقه زيدي جـ 5 ص 180 ويقول بذلك الدسوقي المالكي وإن كان المذهب على خلاف هذا القول.
انظر الشرح الكبير وحاشية الدسوقي جـ 4 ص 319 ط مطبعة السعادة مصر سنة 1329 هـ.
3 بداية المجتهد جـ 2 ص 469 ط البابي الحلبي سنة 1379 هـ. الطرق الحكيمة ص 14. طرق القضاء في الشريعة الإسلامية: لأحمد إبراهيم ص 13.

الصفحة 150