كتاب النقد الأدبي ومقاييسه خلال عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعصر الخلافة الراشدة

1- المقياس الديني الإسلامي:
حينما نستعرض نقدات الرسول الكريم التي وجهها إلى الشعر والشعراء، نلاحظ أن الجوانب الدينية والمعاني الإسلامية كانت المحور الأساسي، لنقد الرسول الكريم، ولعلنا نستطيع أن نرى هذا المقياس بوضوح في النقدات الآتية:
روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "أصدق كلمةٍ قالها شاعر قول لبيد1: ألا كل ما خلا الله باطل".
ونلاحظ من هذا الحكم الذي حكم به الرسول صلى الله عليه وسلم على قولة لبيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد رأى فيها ما يتسق مع الروح الإسلامية، ويترجم عن وحي الإسلام.
وحينما ينشده النابغة الجَعدي2 قصيدته التي مطلعها:
خليلَيّ عُوجا ساعة وتهجَّرا ... ولُوما على ما أحدَث الدهر أو ذرا3
يُعجب الرسول هذا الشعر، وحينما يبلغ قوله:
بلَغْنا السماءَ مجدُنا وجدودُنا ... وإنا لنرجو فوقَ ذلك مَظهرا
يظهر الغضب في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقول للنابغة: "إلى أين أبا ليلى؟ " فقال: إلى الجنة، فيقول الرسول - وقد اطمأن إلى أنه حين عبّر بمجد جدوده المتطاول قد انتهى إلى التطلع في ظل الإسلام إلى ما هو أعظم -: "نعم إن شاء الله".
ويمضي النابغة قائلا:
ولا خير في حِلمٍ إذا لم تكن له ... بوادرُ تحمي صَفوَه أن يُكدَّرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليمٌ إذا ما أورد الأمر أصدرا
__________
1 هو: لبيد بن ربيعة العامري، من شعراء الجاهلية وفرسانهم، أدرك الإسلام وأسلم مع وفد بلاده إلى الرسول، توفي في أول خلافة معاوية.
2 هو: عبد الله بن قيس، من جعدة بن كعب بن ربيعة، وكان يكنى أبا ليلى، وعمّر كثيرا، ومات وهو ابن مئتين وعشرين سنة.
3 جمهرة أشعار العرب: 275، ط بيروت.

الصفحة 276